كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي تمام ونسبه

صفحة 525 - الجزء 16

٢٨ - أخبار أبي تمام ونسبه

  نسبه ومذهبه الشعري

  / أبو تمام حبيب بن أوس الطائيّ، من نفس طيّئ صليبة⁣(⁣١). مولده ومنشؤه منبج، بقرية منها يقال لها جاسم.

  شاعر مطبوع، لطيف الفطنة، دقيق المعاني، غوّاص على ما يستصعب منها، ويعسر متناولة على غيره. وله مذهب في المطابق، هو كالسابق إليه جميع الشعراء، وإن كانوا قد فتحوه قبله، وقالوا القليل منه، فإن له فضل الإكثار فيه، والسلوك في جميع طرقه. والسليم من شعره النادر شيء لا يتعلق به أحد. وله أشياء متوسطة، ورديئة رذلة جدا.

  الخلاف حوله

  وفي عصرنا هذا من يتعصب له فيفرط، حتى يفضله على كل سالف وخالف، وأقوام يتعمّدون الرديء من شعره فينشرونه، ويطوون محاسنه، ويستعملون القحة والمكابرة في ذلك، ليقول الجاهل بهم: إنهم لم يبلغوا علم هذا وتمييزه إلا بأدب فاضل، وعلم ثاقب. وهذا مما يتكسب به كثير من أهل هذا الدهر، ويجعلونه وما جرى مجراه من ثلب الناس، وطلب معايبهم، سببا للترفّع، وطلبا للرياسة. وليست إساءة في القليل، وأحسن في الكثير، مسقطة إحسانه؛ ولو كثرت إساءته أيضا ثم أحسن، لم يقل له عند الإحسان أسأت، ولا عند الصواب أخطأت، والتوسط في كل شيء أجمل، والحق أحق أن يتّبع.

  منزلة شعره عنده

  وقد روي عن بعض الشعراء أن أبا تمام أنشده قصيدة له أحسن في جميعها، إلا في بيت واحد، فقال له: يا أبا تمام، لو ألقيت هذا البيت ما كان في قصيدتك عيب. فقال له: أنا واللَّه أعلم منه مثل ما تعلم، ولكن مثل شعر الرجل عنده مثل أولاده، فيهم الجميل والقبيح، والرشيد والساقط، وكلهم حلو في نفسه، فهو وإن أحب الفاضل، لم يبغض الناقص، وإن هوي بقاء المتقدم، لم يهو موت المتأخر.

  / واعتذاره بهذا ضدّ لما وصف به نفسه في مدحه الواثق، حيث يقول:

  جاءتك من نظم اللسان قلادة ... سمطان فيها اللؤلؤ المكنون

  أحذاكها صنع اللسان يمدّه ... جفر إذا نضب الكلام معين

  ويسئ بالإحسان ظنّا لاكمن ... هو بابنه وبشعره مفتون

  فلو كان يسيء بالإساءة ظنّا ولا يفتتن بشعره، كنا في غنى عن الاعتذار له.


(١) أي ليس من مواليها ولا من حلفائها.