أخبار أبي تمام ونسبه
  المفضلون له
  وقد فضّل أبا تمام من الرؤساء والكبراء والشعراء، من لا يشقّ الطاعنون عليه غباره، ولا يدركون - وإن جدّوا - آثاره، وما رأى الناس بعده إلى حيث انتهوا له في جيّده نظيرا ولا شكلا؛ ولولا أن الرواة قد أكثروا في الاحتجاج له وعليه، وأكثر متعصبوه الشرح لجيد شعره، وأفرط معادوه في التسطير لرديئه، والتنبيه على رذله ودنيئه، لذكرت منه طرفا، ولكن قد أتى من ذلك مالا مزيد عليه.
  إعجاب ابن الزيات والصولي بشعره
  أخبرني عمي قال: حدثني أبي قال: سمعت محمد بن عبد الملك الزيات يقول: أشعر الناس طرّا الذي يقول:
  وما أبالي وخير القول أصدقه ... حقنت لي ماء وجهي أو حقنت دمي
  فأحببت أن أستثبت إبراهيم بن العباس(١)، وكان في نفسي أعلم من محمد وآدب، فجلست إليه، وكنت أجري عنده مجرى الولد، فقلت له: من أشعر أهل زماننا هذا؟ فقال: الذي يقول:
  مطر أبوك أبو أهلَّة وائل ... ملأ البسيطة عدّة وعديدا
  / نسب كأنّ عليه من شمس الضّحى ... نورا ومن فلق الصباح عمودا
  ورثوا الأبوّة والحظوظ فأصبحوا ... جمعوا جدودا في العلا وجدودا(٢)
  فاتفقا على أن أبا تمام أشعر أهل زمانه.
  إعجاب عمارة بن عقيل بشعره
  أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ، وعلي بن سليمان الأخفش قالا: حدثنا محمد بن يزيد النحويّ قال:
  قدم عمارة بن عقيل بغداد، فاجتمع الناس إليه، فكتبوا شعره وشعر أبيه(٣)، وعرضوا عليه الأشعار. فقال بعضهم: ها هنا شاعر يزعم [قوم](٤) أنه أشعر الناس طرّا، ويزعم غيرهم ضدّ ذلك. فقال: أنشدوني قوله.
  فأنشدوه:
  غدت تستجير الدمع خوف نوى غد ... وعاد قتادا عندها كلّ مرقد
  وأنقذها من غمرة الموت أنّه ... صدود فراق لا صدود تعمّد
  فأجرى لها الإشفاق دمعا مورّدا ... من الدم يجري فوق خد مورّد
  هي البدر يغنيها تودّد وجهها ... إلى كلّ من لاقت وإن لم تودّد
  ثم قطع المنشد. فقال له عمارة: زدنا من هذا. فوصل نشيده وقال:
(١) هو إبراهيم بن العباس الصولي من كبار الكتاب والشعراء في صدر الدولة العباسية.
(٢) جدود: جمع جد، الأولى بمعنى الآباء، والثانية بمعنى الحظوظ.
(٣) هو عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير الشاعر الأموي المشهور («الخزانة» ١: ٣٦).
(٤) زيادة يقتضيها المعنى.