كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر خبر العباس وفوز

صفحة 51 - الجزء 17

  جاءنا العباس بن الأحنف يوما وهو كئيب، فنشّطناه فأبى أن ينشط، فقلنا: ما دهاك؟ فقال: لقيتني فوز اليوم، فقالت لي: يا شيخ! وما قالت ذلك إلَّا من حادث ملال. فقلنا له: هوّن عليك؛ فإنها امرأة لا تثبت على حال، وما أرادت إلا العبث بك والمزاح معك. فقال: إني واللَّه قد قلت أقبح مما قالت، ثم أنشدنا⁣(⁣١):

  هزئت إذ رأت كئيبا معنّى⁣(⁣٢) ... أقصدته الخطوب فهو حزين

  هزئت بي ونلت ما شئت منها ... يا لقومي فأيّنا المغبون!

  فقلت له: قد انتصفت وزدت.

  يمن جارية فوز تزعم أنه راودها

  أخبرني محمد بن يحيى، قال: حدثنا علي بن الصبّاح، قال: حدثنا أبو ذكوان، قال:

  كانت لفوز جارية يقال لها يمن، وكانت تجيء إلى العباس برسالتها، فمضت إلى فوز، وقد طلبت من العباس شيئا فمنعها إيّاه، وزعمت أنه أرادها ودعاها إلى نفسه، فغضبت فوز من ذلك، فكتب إليها⁣(⁣٣):

  لقد زعمت يمن بأني أردتها ... على نفسها، تبّا لذلك من فعل

  سلوا عن قميصي مثل شاهد يوسف ... فإنّ قميصي لم يكن قدّ من قبل⁣(⁣٤)

  معاتبة فوز له في جفائه ورده عليها

  أخبرني محمد، قال: حدثنا أحمد بن إسماعيل، قال: حدثني سعيد بن حميد، قال:

  كانت فوز قد مالت إلى بعض أولاد الجند، وبلغ ذلك العباس، فتركها ولم ترض هي البديل بعد ذلك، فعادت إلى العباس، وكتبت إليه تعاتبه في جفائه؛ فكتب إليها:

  كتبت تلوم وتستريب زيارتي ... وتقول لست لنا كعهد العاهد⁣(⁣٥)

  / فأجبتها ودموع عيني جمّة ... تجري على الخدّين غير جوامد!

  يا فوز لم أهجركم لملالة ... منّي ولا لمقال واش حاسد

  لكنّني جرّبتكم فوجدتكم ... لا تصبرون على طعام واحد

  سرقته شعر أبي نواس

  وقد أنشدني عليّ بن سليمان الأخفش هذه الأبيات، وقال: سرقها من أبي نواس حيث يقول:

  صوت

  ومظهرة لخلق اللَّه ودّا ... وتلقى بالتحيّة والسلام

  أتيت فؤادها أشكو إليه ... فلم أخلص إليه من الزّحام


(١) الديوان ٢٦٠.

(٢) في أ: «كبيرا»، وفي الديوان: «أن رأت غلاما».

(٣) ديوانه ٢١٣.

(٤) إشارة إلى ما جاء في سورة يوسف ٢٦: {إِنْ كانَ قَمِيصُه ُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ}.

(٥) ديوانه ١٠٦، وفيه: «وتستريث زيارتي».