أخبار ابن الدمينة ونسبه
  فسمعت واحدة منهنّ وهي تقول: أهو هو؟ فقالت الأخرى: نعم، واللَّه إنه لهو هو. فدنت مني ثم قالت: يا كهل، قل لهذا الذي معك:
  ليست لياليك في خاخ(١) بعائدة ... كما عهدت ولا أيّام ذي سلم
  فقلت له: أجب، فقد سمعت. فقال: قد واللَّه قطع بي، وأرتج عليّ، فأجب عنّي، فالتفتّ إليها ثم قلت:
  فقلت لها: يا عزّ كلّ مصيبة ... إذا وطَّنت يوما لها النفس ذلَّت
  / فقالت المرأة: أوه! ثم مضت ومضينا، حتى إذا كنّا بمفرض طريقين مضى الفتى إلى منزله، ومضيت أنا إلى منزلي؛ فإذا أنا بجويرية تجذب ردائي، فالتفتّ إليها، فقالت: المرأة التي كلَّمتك تدعوك. فمضيت معها حتى دخلت دارا، ثم صرت إلى بيت فيه حصير، وثنيت لي وسادة فجلست عليها، ثم جاءت جارية بوسادة مثنيّة فطرحتها، وجاءت المرأة فجلست عليها، وقالت: أنت المجيب؟ قلت: نعم. قالت: ما كان أفظَّ جوابك وأغلظه! قلت: واللَّه ما حضرني غيره. فبكت، ثم قالت لي: واللَّه ما خلق اللَّه خلقا أحبّ إليّ من إنسان كان معك. قلت: أنا الضامن لك عنه ما تحبّين. قالت: أو تفعل؟ قلت: نعم. فوعدتها أن آتيها به في الليلة القابلة. وانصرفت، فإذا الفتى ببابي، فقلت: ما جاء بك؟ قال: علمت أنها سترسل إليك، وسألت عنك فلم أجدك فعلمت أنك عندها، فجلست أنتظرك. فقلت: فقد كان كلّ ما ظننت، ووعدتها أن آتيها بك في الليلة القابلة. فمضى ثم أصبحنا فتهيّأنا، ورحنا فإذا الجارية تنتظرنا، فمضت أمامنا، حتى دخلنا الدار، فإذا برائحة الطَّيب، وجاءت فجلست مليّا، ثم أقبلت عليه فعاتبته طويلا، ثم قالت:
  صوت
  وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني ... وأشمتّ بي من كان فيك يلوم(٢)
  وأبرزتني للناس ثم تركتني ... لهم غرضا أرمي وأنت سليم
  فلو أنّ قولا يكلم الجسم قد بدا ... بجسمي من قول الوشاة كلوم
  / ثم سكتت، فسكت الفتى هنيهة، ثم قال:
  غدرت ولم أغدر(٣) وخنت ولم أخن ... وفي دون هذا للمحبّ عزاء
  / جزيتك ضعف الودّ ثم صرمتني ... فحبّك في قلبي إليك أداء
  فالتفتت إليّ وقالت: ألا تسمع ما يقول؟ قد أخبرتك! قال: فغمزته فكفّ، ثم قالت(٤):
  فالتفتت إليّ وقالت: ألا تسمع ما يقول؟ قد أخبرتك! قال: فغمزته فكفّ، ثم قالت(٤):
  صوت
  تجاهلت وصلي حين لجّت عمايتي ... وهلَّا صرمت الحبل إذ أنا مبصر!
  ولي من قوى الحبل الذي قطعته ... نصيب وإذ رأيي جميع موفّر
(١) خاخ: موضع بين مكة والمدينة.
(٢) راجع هامش ٢ من صفحة ١٠٠.
(٣) كذا ضبط في أ، والفعل كضرب ونصر وسمع، والبيتان في «المعاهد»: ١/ ١٦٤.
(٤) والمعاهد: ١/ ١٦٤.