كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب أبي قيس بن الأسلت وأخباره

صفحة 81 - الجزء 17

  من يذق الحرب يجد طعمها ... مرّا وتتركه بجعجاع⁣(⁣١)

  يوم بعاث وسببه

  فأما السبب في هذا اليوم - وهو يوم بعاث - فيما أخبرني به محمد بن جرير الطبريّ، قال: حدثنا⁣(⁣٢) محمد بن حميد الرازيّ، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، وأضفت إليه ما ذكره ابن الكلبيّ عن أبيه، عن أبي صالح، عن أبي عبيدة، عن محمد بن عمّار بن ياسر، وعن عبد الرحمن بن سليمان بن عبد اللَّه بن حنظلة الغسيل ابن أبي عامر الراهب:

  الأوس تطلب عون بني قريظة والنضير

  أنّ الأوس كانت استعانت ببني قريظة والنّضير في حروبهم التي كانت بينهم وبين الخزرج، وبلغ ذلك الخزرج، فبعثت إليهم: إنّ الأوس فيما بلغنا / قد استعانت بكم علينا، ولن يعجزنا أن نستعين بأعدادكم وأكثر منكم من العرب، فإن ظفرنا بكم فذاك ما تكرهون، وإن ظفرتم لم ننم عن الطَّلب أبدا، فتصيروا إلى ما تكرهون، ويشغلكم من شأننا ما أنتم الآن منه خالون، وأسلم لكم من ذلك أن تدعونا وتخلَّوا بيننا وبين إخواننا.

  الخزرج تحتفظ برهائن من قريظة والنضير

  فلما سمعوا ذلك علموا أنه الحقّ؛ فأرسلوا إلى الخزرج: إنه قد كان الذي بلغكم، والتمست الأوس نصرنا، وما كنا لننصرهم عليكم أبدا. فقالت لهم الخزرج: فإن كان ذلك كذلك فابعثوا إلينا برهائن تكون في أيدينا. فبعثوا إليهم أربعين غلاما منهم، ففرّقهم الخزرج في دورهم فمكثوا بذلك مدة.

  عمرو بن النعمان يرغب قومه في منازل بني قريظة والنضير

  ثم إنّ عمرو بن النعمان البياضيّ قال لقومه بياضة: إنّ عامرا أنزلكم منزل سوء بين سبخة ومفازة، وإنه واللَّه لا يمسّ رأسي غسل حتى أنزلكم منازل بني قريظة والنّضير على عذب الماء وكريم النّخل. ثم راسلهم: إمّا أن تخلوا / بيننا وبين دياركم نسكنها، وإمّا أن نقتل رهنكم، فهمّوا أن يخرجوا من ديارهم، فقال لهم كعب بن أسد القرظيّ:

  يا قوم، امنعوا دياركم، وخلَّوه يقتل الرّهن، واللَّه ما هي إلَّا ليلة يصيب فيها أحدكم امرأته حتّى يولد له غلام مثل أحد الرّهن.

  غدر عمرو بن النعمان بالرهن

  فاجتمع رأيهم على ذلك، فأرسلوا إلى عمرو بألَّا نسلَّم لكم دورنا، وانظروا الذي عاهدتمونا عليه في رهننا، فقوموا لنا به، فعدا عمرو بن النّعمان على رهنهم هو ومن أطاعه من الخزرج، فقتلوهم وأبى عبد اللَّه بن أبيّ - وكان سيّدا حليما - وقال: هذا عقوق ومأثم وبغي؛ فلست معينا عليه، ولا أحد من قومي أطاعني. وكان عنده في الرّهن


(١) المفضليات: «وتحبسه بجعجاع» وانظر رقم ٢ من هامش ص ١١٦.

(٢) تاريخ الطبري ٢: ٣٥٧.