ذكر المائة الصوت المختارة
  وذكر جحظة عمن روى عنه أن من الثلاثة الأصوات لحن ابن محرز في شعر المجنون، وهو من الثقيل الثاني:
  إذا ما طواك الدهر يا أمّ مالك ... فشأن المنايا القاضيات وشانيا
  ولحن إبراهيم الموصليّ في شعر العرجيّ، وهو من خفيف الثقيل الثاني:
  إلى جيداء قد بعثوا رسولا ... ليحزنها، فلا صحب الرسول
  ولحن ابن محرز في شعر نصيب، وهو على ما ذكر هزج:
  / أهاج هواك المنزل المتقادم؟ ... نعم، وبه ممن شجاك معالم
  وحكى عن أصحابه أنّ هذه الثلاثة الأصوات على هذه الطرائق لا تبقى نغمة في الغناء إلَّا وهي فيها.
  رواية أن المغنين أجمعوا على صوت واحد من هذه الثلاثة وتفنيد أبي الفرج لهذه الرواية
  أخبرني الحسن بن عليّ الأدميّ(١) قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد(٢) الورّاق قال حدّثني أبو توبة صالح بن محمد قال حدّثني محمد بن جبر(٣) المغنّي قال حدّثني إبراهيم بن المهديّ:
  / أنّ الرشيد أمر المغنّين أن يختاروا له أحسن صوت غنّي فيه، فاختاروا له لحن ابن محرز في شعر نصيب:
  أهاج هواك المنزل المتقادم؟
  قال: وفيه دور كثير، أي صنعة كثيرة. والذي ذكره أبو أحمد يحيى بن عليّ أصحّ عندي. ويدّل على ذلك تباين ما بين الأصوات التي ذكرها والأصوات الأخر في جودة الصنعة وإتقانها وإحكام مباديها ومقاطعها وما فيها من العمل، وأن الأخرى ليست مثلها ولا قريبة منها. وأخرى هي أن جحظة حكى عمن روى عنه أنّ فيها صوتا لإبراهيم الموصليّ، وهو أحد من كان اختار هذه الأصوات للرشيد، وكان معه في اختيارها إسماعيل بن جامع وفليح بن العوراء، وليس أحد منهما دونه إن لم يفقه، فكيف يمكن أن يقال: إنهما ساعدا إبراهيم على اختيار لحن من صنعته في ثلاثة أصوات اختيرت من سائر الأغاني وفضّلت عليها! ألم يكونا لو فعلا ذلك قد حكما لإبراهيم على أنفسهما بالتقدّم والحذق والرّياسة وليس هو كذلك عندهما؟
  ولقد أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى المنجّم عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه:
  أنه أتى أباه إبراهيم بن ميمون يوما مسلَّما، فقال له أبوه: يا بنيّ، ما أعلم أحدا بلغ من برّ ولده ما بلغته من برّك، وإني لأستقلّ ذلك لك، فهل من حاجة أصير فيها إلى محبّتك؟ قلت: قد كان - جعلت فداك - كلّ ما ذكرت فأطال اللَّه لي بقاءك، ولكنّي أسألك واحدة: يموت هذا الشيخ غدا أو بعد غد ولم أسمعه، فيقول الناس لي ماذا وأنا أحلّ منك هذا المحلّ. قال لي: ومن هو؟ قلت: ابن جامع. قال: صدقت يا بنيّ، أسرجوا(٤) لنا. فجئنا
(١) من يبيع الجلود، نسبة إلى الأدم وهو الجلد (انظر «تاج العروس» مادة «أدم»).
(٢) في ح، ر: «سعيد».
(٣) كذا في ت، ح. وفي ر: «جبير» وفي سائر النسخ: «جرير» وكلاهما تحريف. وقد ورد هذا الاسم في «الأغاني» طبع بولاق ج ١٤ ص ٩٢ هكذا: «محمد بن جبر».
(٤) أسرجوا لنا أي شدوا على الخيل سروجها لتركبها.