كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر زينب بنت حدير وتزويج شريح إياها

صفحة 143 - الجزء 17

  ليلتهما، ويتعوّذا باللَّه من شرها. فقمت أصلَّي ثم التفتّ، فإذا هي خلفي فصليت، ثم التفتّ فإذا هي على فراشها، فمددت يدي، فقالت لي: على رسلك، فقلت: إحدى / الدواهي منيت بها، فقالت: إن الحمد للَّه أحمده وأستعينه إني امرأة غريبة، ولا واللَّه ما سرت مسيرا قط أشد عليّ منه، وأنت رجل غريب لا أعرف أخلاقك، فحدّثني بما تحبّ فآتيه، وما تكره فأنزجر عنه. فقلت: الحمد للَّه وصلَّى اللَّه على محمد، قدمت خير مقدم، قدمت على أهل دار زوجك سيّد رجالهم، وأنت سيدة نسائهم، أحبّ كذا وأكره كذا.

  / قالت: أخبرني عن أختانك⁣(⁣١) أتحبّ أن يزوروك؟ فقلت: إني رجل قاض، وما أحبّ أن تملَّوني.

  أم زينب تسأله عن ابنتها فيثني عليها

  قال: فبتّ بأنعم ليلة، وأقمت عندها ثلاثا، ثم خرجت إلى مجلس القضاء، فكنت لا أرى يوما إلا هو أفضل من الذي قبله، حتى إذا كان عند رأس الحول دخلت منزلي، فإذا عجوز تأمر وتنهى، قلت: يا زينب، من هذه؟

  فقالت: أمّي فلانة. قلت: حيّاك اللَّه بالسلام، قالت: أبا أمية كيف أنت وحالك؟ قلت: بخير أحمد اللَّه، قالت:

  أبا أمية؛ كيف زوجك؟ قلت: كخير امرأة، قالت: إنّ المرأة لا ترى في حال أسوأ خلقا منها في حالين: إذا حظيت عند زوجها، وإذا ولدت غلاما؛ فإن رأبك منها ريب فالسّوط؛ فإنّ الرجال واللَّه ما حازت إلى بيوتها شرّا من الورهاء⁣(⁣٢) المتدلَّلة.

  قلت: أشهد أنها ابنتك، قد كفيتنا الرياضة، وأحسنت الأدب.

  قال: فكانت في كل حول تأتينا فتذكر هذا، ثم تنصرف.

  يعالج زينب من لسعة عقرب

  قال شريح: فما غضبت عليها قطَّ إلا مرّة كنت لها ظالما فيها؛ وذاك أني كنت أمام قومي فسمعت الإقامة، وقد ركعت ركعتي الفجر، فأبصرت عقربا، فعجلت عن قتلها، فأكفأت عليها الإناء، فلما كنت عند الباب قلت:

  يا زينب لا تحرّكي الإناء حتى أجيء، فعجلت فحرّكت الإناء فضربتها العقرب، فجئت فإذا هي تلوّى. فقلت:

  ما لك؟ قالت: لسعتني العقرب. فلو رأيتني يا شعبيّ وأنا أعرك أصبعها بالماء والملح، وأقرأ عليها المعوّذتين وفاتحة الكتاب.

  كان له جار يضرب امرأته فقال في ذلك شعرا

  وكان لي يا شعبيّ جار يقال له ميسرة بن عرير من الحيّ، فكان لا يزال يضرب امرأته، فقلت:

  رأيت رجالا يضربون نساءهم ... فشلَّت يميني يوم أضرب زينبا

  يا شعبيّ، فوددت أني قاسمتها عيشي.

  ومما يغنّى فيه من الأشعار التي قالها شريح في امرأته زينب:


(١) أختان: جمع ختن: الصهر من قبل الزوجة.

(٢) الورهاء: الحمقاء.