أخبار زيد الخيل ونسبه
  فمكث سبعا، ثم اشتدت الحمّى به فخرج، فقال لأصحابه: جنّبوني بلاد قيس؛ فقد كانت بيننا حماسات في الجاهلية، ولا واللَّه لا أقاتل مسلما حتى ألقى اللَّه. فنزل بماء لحيّ من طيّئ يقال له فردة، واشتدّت به الحمّى، فأنشأ يقول:
  أمرتحل صحبي المشارق غدوة ... وأترك في بيت بفردة منجد(١)
  سقى اللَّه ما بين القفيل فطابة ... فما دون أرمام فما فوق منشد
  هنالك لو أني مرضت لعادني(٢) ... عوائد من لم يشف منهنّ يجهد
  فليت اللواتي عدنني لم يعدنني ... وليت اللواتي غبن عنّي عوّدي
  قال: وكتب معه رسول اللَّه ﷺ لبني نبهان بفيدك(٣) كتابا مفردا، وقال له: أنت زيد الخير، فمكث بالفردة سبعة أيام ثم مات. فأقام عليه قبيصة بن الأسود المناحة سبعا، ثم بعث راحلته ورحله، وفيه / كتاب رسول اللَّه ﷺ، فلما نظرت امرأته - وكانت على الشّرك - إلى الراحلة ليس عليها زيد ضربتها بالنار وقالت:
  ألا إنما زيد(٤) لكلّ عظيمة ... إذا أقبلت أوب الجراد رعالها
  لقاهم(٥) فما طاشت يداه بضربهم ... ولا طعنهم حتى تولَّى سجالها
  قال: فبلغني أنّ رسول اللَّه ﷺ لما بلغه ضرب امرأة زيد الراحلة بالنار، واحتراق الكتاب، قال: بؤسا لبني نبهان.
  وقال أبو عمرو الشيبانيّ:
  لما وفد زيد الخيل على رسول اللَّه ﷺ، فدخل إليه، طرح له متّكأ فأعظم أن يتكئ بين يدي رسول اللَّه ﷺ، فردّ المتّكأ، فأعاده عليه ثلاثا، وعلَّمه دعوات كان يدعو بها فيعرف الإجابة، ويستسقى فيسقى، وقال:
  يا رسول اللَّه، أعطني ثلاثمائة فارس أغير بهم على قصور الروم، فقال له: أيّ رجل أنت يا زيد! ولكن أمّ الكلبة تقتلك - يعني الحمّى - فلم يلبث زيد بعد انصرافه إلَّا قليلا حتى حمّ ومات.
  قال أبو عمرو: وأسلموا جميعا إلَّا وزر؛ فإنّه قال لما رأى النبي ﷺ: إني لأرى رجلا ليملكنّ رقاب العرب، وو اللَّه لا يملك رقبتي أبدا؛ فلحق بالشام، فتنصّر وحلق رأسه، فمات على ذلك.
  أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: حدثني السكن بن سعيد، عن محمد بن عباد، عن ابن الكلبيّ قال:
  أقبل زيد الخيل الطائيّ حتى أتى النبي ﷺ، وكان زيد رجلا جسيما طويلا جميلا، فقال له / النبيّ ﷺ: من أنت؟ قال: / أنا زيد الخيل. قال: بل أنت زيد الخير، أما إني لم أخبر عن رجل خبرا إلا وجدته دون ما أخبرت به عنه غيرك؛ إن فيك لخصلتين يحبّهما اللَّه ø ورسوله، قال: وما هما يا رسول اللَّه؟ قال: الأناة والحلم، فقال زيد: الحمد ﷺ الذي جبلني على ما يحبّ اللَّه ورسوله.
(١) المختار: «مفرد».
(٢) المختار: «هنالك إني لو مرضت لعادني».
(٣) كذا في «ما» وهو ما يرجحه نص الإصابة والطبقات. وفي المختار: «بفردة»، وفي ب، س: «يفدك» تحريف.
(٤) ج والمختار: «ألا نبها زيدا»، رعال: جمع رعلة وهي القطعة من الخيل.
(٥) لقاهم: لقيهم، وهي لغة طيئ فيما أشبهها.