كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار زيد الخيل ونسبه

صفحة 161 - الجزء 17

  فمكث سبعا، ثم اشتدت الحمّى به فخرج، فقال لأصحابه: جنّبوني بلاد قيس؛ فقد كانت بيننا حماسات في الجاهلية، ولا واللَّه لا أقاتل مسلما حتى ألقى اللَّه. فنزل بماء لحيّ من طيّئ يقال له فردة، واشتدّت به الحمّى، فأنشأ يقول:

  أمرتحل صحبي المشارق غدوة ... وأترك في بيت بفردة منجد⁣(⁣١)

  سقى اللَّه ما بين القفيل فطابة ... فما دون أرمام فما فوق منشد

  هنالك لو أني مرضت لعادني⁣(⁣٢) ... عوائد من لم يشف منهنّ يجهد

  فليت اللواتي عدنني لم يعدنني ... وليت اللواتي غبن عنّي عوّدي

  قال: وكتب معه رسول اللَّه لبني نبهان بفيدك⁣(⁣٣) كتابا مفردا، وقال له: أنت زيد الخير، فمكث بالفردة سبعة أيام ثم مات. فأقام عليه قبيصة بن الأسود المناحة سبعا، ثم بعث راحلته ورحله، وفيه / كتاب رسول اللَّه ، فلما نظرت امرأته - وكانت على الشّرك - إلى الراحلة ليس عليها زيد ضربتها بالنار وقالت:

  ألا إنما زيد⁣(⁣٤) لكلّ عظيمة ... إذا أقبلت أوب الجراد رعالها

  لقاهم⁣(⁣٥) فما طاشت يداه بضربهم ... ولا طعنهم حتى تولَّى سجالها

  قال: فبلغني أنّ رسول اللَّه لما بلغه ضرب امرأة زيد الراحلة بالنار، واحتراق الكتاب، قال: بؤسا لبني نبهان.

  وقال أبو عمرو الشيبانيّ:

  لما وفد زيد الخيل على رسول اللَّه ، فدخل إليه، طرح له متّكأ فأعظم أن يتكئ بين يدي رسول اللَّه ، فردّ المتّكأ، فأعاده عليه ثلاثا، وعلَّمه دعوات كان يدعو بها فيعرف الإجابة، ويستسقى فيسقى، وقال:

  يا رسول اللَّه، أعطني ثلاثمائة فارس أغير بهم على قصور الروم، فقال له: أيّ رجل أنت يا زيد! ولكن أمّ الكلبة تقتلك - يعني الحمّى - فلم يلبث زيد بعد انصرافه إلَّا قليلا حتى حمّ ومات.

  قال أبو عمرو: وأسلموا جميعا إلَّا وزر؛ فإنّه قال لما رأى النبي : إني لأرى رجلا ليملكنّ رقاب العرب، وو اللَّه لا يملك رقبتي أبدا؛ فلحق بالشام، فتنصّر وحلق رأسه، فمات على ذلك.

  أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: حدثني السكن بن سعيد، عن محمد بن عباد، عن ابن الكلبيّ قال:

  أقبل زيد الخيل الطائيّ حتى أتى النبي ، وكان زيد رجلا جسيما طويلا جميلا، فقال له / النبيّ : من أنت؟ قال: / أنا زيد الخيل. قال: بل أنت زيد الخير، أما إني لم أخبر عن رجل خبرا إلا وجدته دون ما أخبرت به عنه غيرك؛ إن فيك لخصلتين يحبّهما اللَّه ø ورسوله، قال: وما هما يا رسول اللَّه؟ قال: الأناة والحلم، فقال زيد: الحمد الذي جبلني على ما يحبّ اللَّه ورسوله.


(١) المختار: «مفرد».

(٢) المختار: «هنالك إني لو مرضت لعادني».

(٣) كذا في «ما» وهو ما يرجحه نص الإصابة والطبقات. وفي المختار: «بفردة»، وفي ب، س: «يفدك» تحريف.

(٤) ج والمختار: «ألا نبها زيدا»، رعال: جمع رعلة وهي القطعة من الخيل.

(٥) لقاهم: لقيهم، وهي لغة طيئ فيما أشبهها.