كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب أمية بن أبي الصلت

صفحة 200 - الجزء 17

  سيف يسر إلى عبد المطلب بأمارات ظهور النبي

  ثم استنهضوا إلى دار الضيافة والوفود، فأقاموا فيها شهرا لا يصلون إليه، ولا يؤذن لهم في الانصراف، وأجرى لهم الأنزال⁣(⁣١). ثم انتبه لهم انتباهة، فأرسل إلى عبد المطلب، فأدناه، وأخلى مجلسه، ثم قال:

  يا عبد المطلب، إني مفوّض إليك من سرّ علمي أمّرا لو يكون غيرك لم أبح به إليه، ولكني رأيتك موضعه، فأطلعتك طلعه؛ فليكن عندك مطويّا حتى يأذن اللَّه فيه، فإنّ اللَّه بالغ أمره.

  إني أجد في الكتاب المكنون، والعلم المخزون، الذي اخترناه لأنفسنا، واحتجنّاه دون غيرنا، خبرا عظيما، وخطرا جسيما، فيه شرف الحياة، وفضيلة الوفاء للناس عامة، ولرهطك كافة، ولك خاصة.

  قال عبد المطلب: مثلك أيّها الملك من سرّ وبرّ، فما هو فداك أهل الوبر، زمرا بعد زمر؟ قال ابن ذي يزن:

  إذا ولد غلام بتهامة، بين كتفيه شامة، كانت له الإمامة، ولكم به الزّعامة، إلى يوم القيامة.

  قال عبد المطلب: أيّها الملك، لقد أبت بخير ما آب بمثله وافد، ولولا هيبة الملك وإكرامه وإعظامه لسألته أن يزيدني في البشارة ما أزداد به سرورا. قال ابن ذي يزن: هذا حينه الذي يولد فيه، أو قد ولد؟ اسمه محمد ، يموت أبوه وأمه، ويكفله جدّه وعمّه، قد ولدناه⁣(⁣٢) / مرارا، واللَّه باعثه جهارا، وجاعل له منّا أنصارا، يعزّبهم أولياءه، ويذل بهم أعداءه، يضرب بهم الناس عن عرض، / ويستبيح بهم كرائم الأرض، يخمد النيران، ويدحر الشيطان، ويكسر الأوثان، ويعبد الرحمن، قوله فصل، وحكمه عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهي عن المنكر ويبطله.

  فقال عبد المطلب: أيها الملك، عزّ جدّك، وعلا كعبك، ودام ملكك، وطال عمرك، فهل الملك مخبري بإفصاح، فقد أوضح لي بعض الإيضاح.

  فقال ابن ذي يزن: والبيت ذي الحجب، والعلامات على النّصب، إنك يا عبد المطلب، لجدّه غير الكذب.

  يطلب من عبد المطلب أن يكتم أمر محمد ويحذره من اليهود

  فخرّ عبد المطلب ساجدا، فقال له: ارفع رأسك، ثلج صدرك، وعلا أمرك؛ فهل أحسست شيئا مما ذكرته لك؟ فقال عبد المطلب: أيها الملك! كان لي ابن، وكنت به معجبا، وعليه رفيقا، زوّجته كريمة من كرائم قومي، اسمها آمنة بنت وهب؛ فجاءت بغلام سمّيته محمدا، مات أبوه وأمه؛ وكفلته أنا وعمه. قال: الأمر ما قلت لك؛ فاحتفظ بابنك، واحذر عليه من اليهود؛ فإنهم له أعداء، ولن يجعل اللَّه لهم عليه سبيلا، واطو ما ذكرت لك عن هؤلاء الرّهط الذين معك؛ فإني لا آمن أن تدخلهم النّفاسة من أن تكون له الرياسة؛ فينصبون له الحبائل، ويطلبون له الغوائل، وهم فاعلون وأبناؤهم، وبطيء ما يجيبه قومه؛ وسيلقى منهم عننا، واللَّه مبلج حجّته؛ ومظهر دعوته، وناصر شيعته، ولولا أني أعلم أنّ الموت مجتاحي قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي؛ حتى أصيّر يثرب دار ملكي؛ فإني أجد في / الكتاب المكنون أنّ بيثرب استحكام أمره، وأهل نصرته، وموضع قبره؛ ولولا أني أتوقّى عليه


(١) النزل: ما هيئ للضيف، وجمعه أنزال.

(٢) المختار: «قد وجدناه مرارا»، وفي ما: «قد ولداه سرارا».