يوم الصفقة
  أخبرني بالسبب في ذلك عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثنا أبو سعيد السكَّريّ، قال: حدثنا ابن حبيب ودماذ، عن أبي عبيدة، قال ابن حبيب: قال أبو سعيد: وأخبرنا إبراهيم بن سعدان، عن أبيه، عن أبي عبيدة، قال ابن حبيب: وأخبرني ابن الأعرابيّ، عن المفضل، قال أبو سعيد، قالوا جميعا:
  كان من حديث يوم الصّفقة(١) أنّ باذام(٢) عامل كسرى باليمن بعث إلى كسرى عيرا تحمل ثيابا من ثياب اليمن، ومسكا وعنبرا، وخرجين فيهما مناطق محلَّاة، وخفراء تلك العير فيما يزعم بعض الناس بنو الجعيد المراديّون. فساروا من اليمن لا يعرض لهم أحد، حتى إذا كان بحمض(٣) من بلاد بني حنظلة بن يربوع(٤) وغيرهم، أغاروا عليها فقتلوا من فيها من بني جعيد والأساورة، واقتسموها، وكان فيمن فعل ذلك ناجية بن عقال، وعتبة(٥) بن الحارث بن شهاب، وقعنب بن عتّاب، وجزء بن سعد، وأبو مليل عبد اللَّه بن الحارث، والنّطف بن جبير، وأسيد بن جنادة، فبلغ ذلك الأساورة الذين بهجر مع كزارجر المكعبر، فساروا إلى بني حنظلة بن يربوع، فصادفوهم على حوض، فقاتلوهم قتالا شديدا، فهزمت الأساورة، / وقتلوا قتلا شديدا ذريعا، ويومئذ أخذ النّطف الخرجين اللذين يضرب بهما المثل(٦).
  فلما بلغ ذلك كسرى استشاط غضبا، وأمر بالطعام فادّخر بالمشقّر ومدينة اليمامة، وقد أصابت الناس سنة شديدة، ثم قال: من دخلها من العرب فأميروه ما شاء(٧).
  فبلغ ذلك الناس، قال: وكان أعظم من أتاها بنو سعد، فنادى منادي الأساورة: لا يدخلها عربيّ بسلاح، فأقيم بوّابون على باب المشقّر، فإذا جاء الرجل ليدخل قالوا: ضع سلاحك، وامتر، واخرج من الباب الآخر؛ فيذهب به إلى رأس الأساورة فيقتله، فيزعمون أنّ خيبريّ بن عبادة بن النوال بن مرة بن عبيد - وهو مقاعس - قال:
  يا بني تميم؛ ما بعد السلب إلَّا القتل، وأرى قوما يدخلون ولا يخرجون، فانصرف منهم من انصرف من بقيّتهم، فقتلوا بعضهم وتركوا بعضا محتبسين عندهم. هذا حديث المفضّل.
  وأما ما وجد عن ابن الكلبيّ في كتاب حمّاد الراوية، فإن كسرى بعث إلى عامله باليمن بعير، وكان باذام(٨)
(١) البلدان (صفقة) والطبري ٢: ١٦٩، وابن الأثير ١: ٢٧٥، والعقد ٥: ٢٢٤.
(٢) في الطبري: «بعث وهرز بأموال وطرف».
(٣) ب، س: «حمصي»، ج: «حمضي» والمثبت من م.
(٤) في الطبري: «فلما صارت في بلاد يربوع».
(٥) أ، م: «والمنطف بن خيبري».
(٦) يقال: أصاب كنز النطف. وانظر الطبري ٢: ١٦٩.
(٧) أميروه: أعطوه الميرة.
(٨) ب، س: «باذان»، والمثبت من أ، ج، وهو يوافق ما في البلدان أيضا.