يوم الصفقة
  وبعث هوذة إلى بني حنيفة فأتوه، فدنوا من حيطان المشّقر، ثم نودي: إنّ كسرى قد بلغه الذي أصابكم في هذه السنة، وقد أمر لكم بميرة، فتعالوا، فامتاروا. فانصبّ عليهم الناس، وكان أعظم من أتاهم بنو سعد، فجعلوا إذا جاؤوا إلى باب المشّقر أدخلوا رجلا رجلا، حتى يذهب به إلى المكعبر(١) فتضرب عنقه، وقد وضع سلاحه قبل أن يدخل، فيقال له: ادخل من / هذا الباب واخرج من الباب الآخر، فإذا مرّ رجل / من بني سعد بينه وبين هوذة إخاء، أو رجل يرجوه، قال للمكعبر: هذا من قومي فيخلَّيه له.
  فنظر خيبريّ بن عبادة إلى قومه يدخلون ولا يخرجون، وتؤخذ أسلحتهم، وجاء ليمتار، فلما رأى ما رأى قال: ويلكم! أين عقولكم! فو اللَّه ما بعد السّلب إلا القتل.
  وتناول سيفا من رجل من بني سعد يقال له مصاد، وعلى باب المشّقر سلسلة ورجل من الأساورة قابض عليها، فضربها فقطعها ويد الأسوار، فانفتح الباب، فإذا الناس يقتلون، فثارت بنو تميم.
  ويقال: إن الذي فعل هذا رجل من بني عبس يقال له: عبيد بن وهب، فلما علم هوذة أنّ القوم قد نذروا به أمر المكعبر فأطلق منهم مائة من خيارهم، وخرج هاربا من الباب الأول هو والأساورة، فتبعتهم بنو سعد والرباب، فقتل بعضهم، وأفلت من أفلت.
  صوت
  إذا سلكت حوران من رمل عالج(٢) ... فقولا لها: ليس الطريق هنالك
  دعوا فلجأت(٣) الشام قد حيل دونها ... بضرب كأفواه العشار الأوارك(٤)
  عروضه من الطويل. الشعر لحسّان بن ثابت، والغناء لابن محرز، ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول، مطلق في مجرى البنصر.
  وهذا الشعر يقول حسان بن ثابت لقريش حين تركت الطريق الذي كانت تسلكه إلى الشام بعد غزوة بدر، واستأجرت فرات بن حيّان(٥) العجليّ دليلا، فأخذ بهم غيرها، وبلغ النبي ﷺ الخبر، فأرسل زيد بن حارثة في سريّة إلى العير فظفر بها، وأعجزه القوم.
(١) في الطبري: «وإنما سمي المكعبر؛ لأنه كان يقطع الأيدي والأرجل. واسمه آزاذ فروذ بن جشنس».
(٢) الديوان ٢٩٥: «إذا سلكت للغور من رمل عالج».
(٣) الفلجات: الأودية الصغار.
(٤) في الديوان:
... قد حال دونها ... جلاد كأفواه المخاض الأوارك
والأوراك: التي ترعى الأراك.
(٥) ب، س: حبان بالباء، والمثبت من ما، وهو موافق لما في «كتب السيرة».