ذكر أبي عطاء السندي
  وجاء أبو عطاء السنديّ فجلس إلينا، وقال: مرهبا مرهبا، هيّاكم اللَّه. فرحّبت به، وعرضت عليه العشاء، فقال: لا هاجة لي به، فقال: أعندكم نبيذ؟ فأتيناه بنبيذ كان عندنا فشرب حتى احمرّت عيناه، واسترخت علابيه(١)، ثم قلت: يا أبا عطاء، إنّ إنسانا طرح علينا أبياتا فيها لغز، ولست أقدر على إجابته البتة، ومنذ أمس إلى الآن ما يستوي لي منها شيء، ففرّج عني. قال: هات، فقلت:
  أبن لي إن سئلت أبا عطاء ... يقينا كيف علمك بالمعاني
  فقال:
  خبير عالم فاسأل تجدتي ... بها طبّا وآيات المثاني
  فقلت:
  فما اسم حديدة في رأس رمح ... دوين الكعب ليست بالسّنان؟
  فقال أبو عطاء:
  هو الزّزّ الذي إن بات ضيفا ... لصدرك لم تزل لك عولتان
  قلت: فرّج اللَّه عنك، تعني الزجّ. وقلت:
  فما صفراء تدعى أمّ عوف ... كأن رجيلتيها منجلان؟
  فقال:
  أردت زرادة وأزنّ زنّا ... بأنّك ما أردت سوى لساني
  / قلت: فرّج اللَّه عنك، وأطال بقاءك! تريد جرادة، وأظنّ ظنا. وقلت:
  أتعرف مسجدا لبني تميم ... فويق الميل دون بني أبان؟
  فقال:
  بنو سيطان(٢) دون بني أبان ... كقرب أبيك من عبد المدان
  قال حماد: فرأيت عينيه قد احمرّتا، وعرفت الغضب في وجهه وتخوّفته، فقلت: يا أبا عطاء، هذا مقام المستجير بك، ولك النصف مما أخذته، قال: فأصدقني، قال: فأخبرته. فقال لي: أولى لك! قد سلمت وسلم لك جعلك، خذه بورك لك فيه، ولا حاجة لي فيه. فأخذته، وانقلب يهجو معلَّى بن هبيرة.
  مدح أبا جعفر فلم يثبه
  أخبرني الحسن، قال: حدثنا أحمد بن الحارث، عن المدائنيّ:
(١) علباء البعير: عصب عنفه، وجمعه: «علابي». وعلبى الرجل: ظهرت علابيه كبرا.
(٢) أ: «شيطان»، بالشين، وفي الشعر والشعراء ٧٤٣: أيكم يحتال لأبي عطاء حتى يقول جرادة وزج وشيطان، فقال حماد الراوية:
أنا، فلم يلبث أن جاء أبو عطاء، فقال: ... مرهبا مرهبا، هياكم اللَّه، قلنا: ألا تتعشى؟ قال: قد تأسيت، فهل عندكم نبيذ؟
قلنا: نعم، فأتى بنبيذ، فشرب حتى استرخت علاييه، وخذيت أذناه، فقال حماد الراوية: كيف بصرك باللغز يا أبا عطاء؟ قال:
هن ... إلى آخر الخبر.