كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر أبي عطاء السندي

صفحة 211 - الجزء 17

  وجاء أبو عطاء السنديّ فجلس إلينا، وقال: مرهبا مرهبا، هيّاكم اللَّه. فرحّبت به، وعرضت عليه العشاء، فقال: لا هاجة لي به، فقال: أعندكم نبيذ؟ فأتيناه بنبيذ كان عندنا فشرب حتى احمرّت عيناه، واسترخت علابيه⁣(⁣١)، ثم قلت: يا أبا عطاء، إنّ إنسانا طرح علينا أبياتا فيها لغز، ولست أقدر على إجابته البتة، ومنذ أمس إلى الآن ما يستوي لي منها شيء، ففرّج عني. قال: هات، فقلت:

  أبن لي إن سئلت أبا عطاء ... يقينا كيف علمك بالمعاني

  فقال:

  خبير عالم فاسأل تجدتي ... بها طبّا وآيات المثاني

  فقلت:

  فما اسم حديدة في رأس رمح ... دوين الكعب ليست بالسّنان؟

  فقال أبو عطاء:

  هو الزّزّ الذي إن بات ضيفا ... لصدرك لم تزل لك عولتان

  قلت: فرّج اللَّه عنك، تعني الزجّ. وقلت:

  فما صفراء تدعى أمّ عوف ... كأن رجيلتيها منجلان؟

  فقال:

  أردت زرادة وأزنّ زنّا ... بأنّك ما أردت سوى لساني

  / قلت: فرّج اللَّه عنك، وأطال بقاءك! تريد جرادة، وأظنّ ظنا. وقلت:

  أتعرف مسجدا لبني تميم ... فويق الميل دون بني أبان؟

  فقال:

  بنو سيطان⁣(⁣٢) دون بني أبان ... كقرب أبيك من عبد المدان

  قال حماد: فرأيت عينيه قد احمرّتا، وعرفت الغضب في وجهه وتخوّفته، فقلت: يا أبا عطاء، هذا مقام المستجير بك، ولك النصف مما أخذته، قال: فأصدقني، قال: فأخبرته. فقال لي: أولى لك! قد سلمت وسلم لك جعلك، خذه بورك لك فيه، ولا حاجة لي فيه. فأخذته، وانقلب يهجو معلَّى بن هبيرة.

  مدح أبا جعفر فلم يثبه

  أخبرني الحسن، قال: حدثنا أحمد بن الحارث، عن المدائنيّ:


(١) علباء البعير: عصب عنفه، وجمعه: «علابي». وعلبى الرجل: ظهرت علابيه كبرا.

(٢) أ: «شيطان»، بالشين، وفي الشعر والشعراء ٧٤٣: أيكم يحتال لأبي عطاء حتى يقول جرادة وزج وشيطان، فقال حماد الراوية:

أنا، فلم يلبث أن جاء أبو عطاء، فقال: ... مرهبا مرهبا، هياكم اللَّه، قلنا: ألا تتعشى؟ قال: قد تأسيت، فهل عندكم نبيذ؟

قلنا: نعم، فأتى بنبيذ، فشرب حتى استرخت علاييه، وخذيت أذناه، فقال حماد الراوية: كيف بصرك باللغز يا أبا عطاء؟ قال:

هن ... إلى آخر الخبر.