كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر أبي عطاء السندي

صفحة 210 - الجزء 17

  فإنّ العقل ليس له إذا ما ... تذوكرت⁣(⁣١) الفضائل من كفاء

  وإنّ النّوك للأحساب غول ... به تأوي إلى داء عياء

  فلا تثقن من النّوكى بشيء ... ولو كانوا بني ماء السماء

  كعنبر الوثيق بناء بيت ... ولكن عقله مثل الهباء

  / وليس بقابل⁣(⁣٢) أدبا فدعه ... وكن منه بمنقطع الرّجاء

  كان من شعراء بني أمية ومداحهم

  قال: وكان أبو عطاء من شعراء بني أميّة ومدّاحهم والمنصبّي الهوى إليهم، وأدرك دولة بني العباس فلم تكن له فيها نباهة، فهجاهم. وفي آخر / أيام المنصور مات. وكان مع ذلك من أحسن الناس بديهة، وأشدّهم عارضة وتقدّما، وشهد أبو عطاء حرب بني أميّة وبني العباس فأبلى، وقتل غلامه عطاء مع ابن هبيرة، وانهزم هو، وقيل: بل كان أبو عطاء المقتول معه لا غلامه.

  شعره في أبي زيد المري وقد أعطاه فرسه فهرب به

  أخبرني الحسن بن عليّ، عن أحمد بن الحارث، عن المدائنيّ، قال:

  كان أبو عطاء يقاتل المسوّدة⁣(⁣٣)، وقدّامه رجل من بني مرّة يكنى أبا يزيد، وقد عقر فرسه، فقال لأبي عطاء:

  أعطني فرسك حتى أقاتل عنّي وعنك، وقد كانا أيقنا بالهلاك، فأعطاه أبو عطاء فرسه، فركبه المرّيّ، ثم مضى وترك أبا عطاء، فقال أبو عطاء في ذلك:

  لعمرك إنني وأبا يزيد ... لكالساعي إلى وضح السّراب

  رأيت مخيلة⁣(⁣٤) فطمعت فيها ... وفي الطمع المذلَّة للرّقاب

  فما أعياك من طلب ورزق ... كما يعييك في سرق الدّواب⁣(⁣٥)

  وأشهد أنّ مرّة حيّ صدق ... ولكن لست منهم في النّصاب

  أخبرني الحسن، عن أحمد بن الحارث، عن المدائنيّ:

  أنّ يحيى بن زياد الحارثيّ وحمّادا الراوية كان بينهما وبين معلَّى بن هبيرة ما يكون مثله بين الشعراء والرّواة من النّفاسة، وكان معلَّى بن هبيرة يحبّ أن يطرح حمادا في لسان شاعر يهجوه.

  أبو عطاء وحماد الراوية

  قال حمّاد الراوية: فقال لي يوما بحضرة يحيى بن زياد: أتقول لأبي عطاء السنديّ أن يقول في زجّ وجرادة ومسجد بني شيطان؟ قال: فقلت له: / فما تجعله لي على ذلك؟ قال: بغلتي بسرجها ولجامها. قلت: فعدّلها⁣(⁣٦) على يدي يحيى بن زياد، ففعل، وأخذت عليهن موثقا بالوفاء.


(١) في ب: «تذكرت»، والمثبت في المختار. كفاء: شيء يقوم به ويعادله.

(٢) أ: «بقائل»، والمثبت في المختار أيضا.

(٣) المسودة: يريد بني العباس ومن والاهم لأن لباسهم كان السواد.

(٤) المخيلة: السحابة تخالها ما طرة لرعدها وبرقها.

(٥) أ: «كما أعياك من».

(٦) عدلها: بريد اجعلها في ضمان عدل.