كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر ذي الرمة وخبره

صفحة 260 - الجزء 18

  أنّ أمّ ذي الرّمة جاءت إلى الحصين بن عبدة بن نعيم العدويّ⁣(⁣١) وهو يقرئ الأعراب بالبادية احتسابا بما يقيم لهم صلاتهم، فقالت له: يا أبا الخليل؛ إن ابني هذا يروّع بالليل، فاكتب لي معاذة أعلَّقها على⁣(⁣٢) عنقه، فقال لها: ائتيني برقّ أكتب فيه، قالت: فإن لم يكن، فهل يستقيم في غير رقّ أن يكتب له؟ قال: فجيئيني بجلد⁣(⁣٣)، فأتته بقطعة جلد غليظ، فكتب له معاذة فيه، فعلَّقته في عنقه، فمكث دهرا. ثم إنها مرّت مع ابنها لبعض حوائجها بالحصين وهو جالس في ملأ من أصحابه ومواليه، فدنت منه، فسلَّمت عليه، وقالت: يا أبا الخليل، ألا تسمع قول غيلان وشعره؟ قال:

  بلى. فتقدّم فأنشده، وكانت المعاذة مشدودة على يساره في حبل أسود، فقال الحصين: أحسن ذو الرمة؛ فغلبت عليه.

  كان له إخوة كلهم شعراء

  وقال الأصمعيّ: أمّ ذي الرمة امرأة من بني أسد يقال لها ظبية، وكان له إخوة لأبيه وأمّه شعراء منهم مسعود، وهو الذي يقول يرثي أخاه ذا الرمّة ويذكر ليلى بنته:

  إلى اللَّه أشكو لا إلى الناس أنني ... وليلى كلانا موجع مات وافده⁣(⁣٤)

  / ولمسعود يقول ذو الرمة⁣(⁣٥):

  صوت

  أقول لمسعود بجرعاء مالك ... وقد همّ دمعي أن تسحّ أوائله

  ألا هل ترى الأظعان جاوزن مشرفا ... من الرمل أو سالت بهنّ سلاسله⁣(⁣٦)

  غنّى فيه يحيى بن المكيّ⁣(⁣٧) ثاني ثقيل بالوسطى، على مذهب إسحاق من رواية عمرو.

  ومسعود الذي يقول⁣(⁣٨) يرثي أخاه أيضا ذا الرمّة، ويرثي أوفى بن دلهم ابن عمه، وأوفى هذا أحد من يروى عنه الحديث.

  وقال هارون بن⁣(⁣٩) الزيات: أخبرني ابن حبيب، عن ابن الأعرابيّ، قال: كان لذي الرمة إخوة ثلاثة⁣(⁣١٠):

  مسعود، وجرفاس، وهشام، كلَّهم شعراء، وكان الواحد منهم يقول الأبيات فيبني عليها ذو الرمة أبياتا أخر، فينشدها الناس، فيغلب عليها لشهرته وتنسب إليه⁣(⁣١١):


(١) ج: «العذري».

(٢) ف: «في عنقه».

(٣) ج: «بقطعة جلد».

(٤) ج: «واحده».

(٥) «ديوانه» ٤٦٦.

(٦) ف: «أو حاذت ... سوائله». ومشرف: موضع، وسلاسل الرمل: ما انعقد واتصل.

(٧) ف: «يحيى المكي».

(٨) في ف: «يقول فيه أيضا».

(٩) ف: «بن محمد الزيات».

(١٠) في ابن سلام: وكانوا إخوة ثلاثة: غيلان وأوفى ومسعود. وقال ابن قتيبة في «الشعر والشعراء»: وكان لذي الرمة إخوة ثلاثة: هشام وأوفى ومسعود، فجعلهم أربعة إخوة.

(١١) «ابن سلام» ٤٨١، و «شرح الحماسة» ٢: ١٤٧، و «الكامل» ١: ١٥٣.