كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر خبر إبراهيم

صفحة 295 - الجزء 18

  ذو الرمة وعصمة بن مالك يزوران ميّة

  حدثني ابن عمار والجوهريّ، وحبيب المهلَّبيّ، عن ابن شبّة⁣(⁣١)، عن إسحاق الموصليّ، عن مسعود بن قند، قال:

  / تذاكرنا ذا الرمة يوما فقال عصمة بن مالك: إياي فاسألوا عنه، قال: كان حلو العينين، حسن النغمة، إذا حدّث لم تسأم حديثه، وإذا أنشدك بربر⁣(⁣٢) وجشّ صوته، جمعني وإيّاه مربع مرّة، فقال لي: هيا عصمة، إن ميّة من منقر، ومنقر أخبث حيّ وأقفاه لأثر، وأثبته في نظر، وأعلمه بشرّ، وقد عرفوا آثار إبلي؛ فهل عندك من ناقة نزدار⁣(⁣٣) عليها ميّة؟ قلت: إي واللَّه عندي الجؤذر بنت يمانية الجدليّ، قال: فعليّ بها. فأتيته بها، فركب وردفته فأتينا محلَّة ميّة، والقوم خلوف والنساء في الرحال، فلمّا رأين ذا الرمة اجتمعن إلى ميّ، وأنخنا قريبا وأتيناهنّ، فجلسنا إليهنّ، فقالت ظريفة منهنّ: أنشدنا / يا ذا الرمة. فقال لي: أنشدهنّ يا عصمة. فأنشدت قصيدته التي يقول فيها⁣(⁣٤):

  نظرت إلى أظعان ميّ كأنها ... ذرا النّخل أو أثل تميل ذوائبة

  فأسبلت العينان والقلب كاتم ... بمغرورق نمّت عليه سواكبة

  بكاء فتى خاف الفراق ولم تجل ... جوائلها أسراره ومعاتبه⁣(⁣٥)

  قالت الظريفة: فالآن فلتجل، ثم أنشدت حتى أتيت على قوله⁣(⁣٦):

  وقد حلفت باللَّه ميّة ما الذي ... أحدّثها إلَّا الذي أنا كاذبه

  إذا فرماني اللَّه من حيث لا أرى ... ولا زال في أرضي عدوّ أحاربه

  فقالت ميّة: ويحك يا ذا الرّمة! خف اللَّه وعواقبه. ثم أنشدت حتى أتيت على قوله:

  إذا سرحت من حبّ ميّ سوارح ... على القلب أبّته جميعا عوازبه

  / فقالت الظريفة: قتلته قتلك اللَّه! فقالت ميّة: ما أصحّه وهنيئا له! فتنفّس ذو الرّمة تنفيسة كاد حرّها يطير بلحيتي، ثم أنشدت حتى أتيت على قوله⁣(⁣٧):

  إذا نازعتك القول ميّة أو بدا ... لك الوجه منها أو نضا الدّرع سالبه

  فما شئت من خدّ أسيل⁣(⁣٨) ومنطق ... رخيم ومن خلق تعلَّل جادبه⁣(⁣٩)


(١) ج: «حدثني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمار، وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، وحبيب بن نصر المهلبي، قالوا: حدثنا عمر بن شبة ...».

(٢) بربر في كلامه: أكثر منه. والبربرة: الجلبة والصياح.

(٣) ازداره: زاره.

(٤) «ديوانه» ٣٩.

(٥) ج: «ومغايبه». وفي «الديوان»: «هوى آلف جاء الفراق فلم تجل».

(٦) «ديوانه» ٤٢.

(٧) «ديوانه» ٤٢.

(٨) «الديوان»: «فيا لك من خدّ أسيل».

(٩) جادبه: عاتبه.