كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار خفاف ونسبه

صفحة 316 - الجزء 18

  وإنّ رهط خفاف لاموه وقالوا: اكفف عن الرجل. فقال: كيف أكفّ عن رجل يريد أن يترنا أمرنا بغير فضل.

  وقال رهط العباس له: أيها الرجل، اكفف، فقال قولا جميلا، وقال العبّاس عند ذلك:

  هل تعرف الطَّلل القديم كأنّه ... وشم بأسفل ذي الخيام مرجّع

  بقيت معارفه على مرّ الصّبا ... بعد الجميع كأنه قد يمرع

  دار التي صادت فؤادك بعد ما ... شمل المفارق منك شيب أروع

  وزعمت أنّك لا تراح إلى الصّبا ... وعلتك منه شبيبة لا ترجع

  / يا أيها المرء السفيه ألا ترى ... أني أضرّ إذا هويت وأنفع

  وأعيش ما قدر الإله على القلى ... وأعفّ نفسي عن مطامع تطمع

  كرما على الخطر اليسير ولا ترى ... نفسي إلى الأمر الدنيّ تطلَّع

  وأردّ ذا الضّغن اللئيم برأيه ... حتى يموت وليس فينا مطمع

  للَّه درّك لا تمنّ مماتنا ... فالموت ويحك قصرنا والمرجع

  لو كان يهلك من تمنّى موته ... حلَّت عليك دهية لا ترقع

  ومكثت في دار الهوان موطَّأ ... بالذّلّ ليس لداركم من يمنع

  فقال خفاف مجيبا له:

  عجبت أمامة إذ رأتني شاحبا ... خلق القميص وأنّ رأسي أصلع

  وتنفست صعدا فقلت لها: اقصري ... إني امرؤ فيما أضرّ وأنفع

  مهلا أبا أنس فإني للَّذي ... خلَّى عليك دهيّة لا ترفع

  وضربت أمّ شؤون رأسك ضربة ... فاستكّ منها في اللَّقاء المسمع

  نعليّ حذو نعالها ولربّما ... أحذو العدا ولكلّ عاد مصرع

  لا تفخرنّ فإنّ عودي نبعة ... أعيت أبا كرب وعودك خروع⁣(⁣١)

  ولقد أقود إلى العدوّ مقلَّصا ... سلس القياد له تليل أتلع⁣(⁣٢)

  نهد المراكل والدّسيع يزينه ... شنج النّسا وأباجل لا تقطع⁣(⁣٣)

  / وعليّ سابغة كأنّ قتيرها ... حدق الجنادب ليس فيها مطمع⁣(⁣٤)

  زغف مضاعفة تخيّر سردها ... ذو فائش وبنو المرار وتبّع⁣(⁣٥)

  في فتية بيض الوجوه كأنهم ... أسد على لحم ببيشة طلَّع


(١) عودي نبعة: صلب شديد. وعودك خروع: ليّن متثن.

(٢) تليل أتلع: عنق طويل.

(٣) نهد المراكل: واسع الجوف. والدسيع: مغرز العنق في الكاهل. وفرس شنج النسا: صفة محمودة، لأنه إذا تشنج نساه لم تسترخ رجلاه. والأباجل: جمع أبجل، وهو عرق في الفرس والبعير.

(٤) درع سابغة: تامة طويلة. والقتير: رؤوس المسامير في الدرع. والحدق جمع حدقة؛ وهي سواد العين الأعظم، والجنادب جمع جندب، وهو الصغير من الجراد.

(٥) الزغف جمع زغفة؛ وهي الدرع الواسعة. وسردها: نسجها. وفائش: واد كان يحميه ذو فائش سلامة بن يزيد اليحصبي.