كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار خفاف ونسبه

صفحة 317 - الجزء 18

  لا ينكلون إذا لقوا أعداءهم ... إنّ الحمام هو الطريق المهيع⁣(⁣١)

  وكان خفاف قد كفّ عن العبّاس، حتى أتاه غلام من قومه، فقال: أبى العباس إلا جرأة عليك وعيبا لك، فغضب خفاف ثم قال: ما يدعوه إلى ذلك؟ فو اللَّه إن أباه لرابط السهم، وإن أمّه لخفيّة الشخص، ولئن طلب مسعاي ليعلمنّ أنه قصير الخطوة أجذم الكف، وما ذنبنا إليه إلا أنّا استنقذنا أباه من عصيّ بني حزام، وكافحنا دونه يوم بني فراس، ونصرنا أباه على حرب بن أميّة. وقال خفاف في ذلك:

  لن يترك الدهر عبّاس تقحّمه ... حتى يذوق وبال البغي عبّاس

  أمسكت عن رميه حولا ومقتله ... باد لتعذرني في حربه الناس

  عمدا أجرّ له ثوبي لأخدعه ... عن رأيه ورجائي عنده ياس

  فالآن إذا صرّحت منه حقيقته ... ظلما فليس بشتمي شاتمي باس

  أجدّ يوما بقولي كلّ مبتدئ ... كما يجدّ بكفّ الجازر الفاس

  تأبى سليم إذا عدّت مساعيها ... أن يحرز السّبق عبّاس ومرداس

  أودى أبو عامر عبّاس معترفا ... أنّا إذا ما سليم حصّلت راس

  فبلغ العباس أمر خفاف، فأتاه، فالتقيا عند أسماء بن عروة بن الصّلت بن حزام بن عبد اللَّه بن حازم بن الصلت، وكان مأمونا في بني سليم، فقال العباس: قد بلغني قولك يا خفاف، ولعمري لا أشتم أباك ولا أمّك، ولكنّي رام سوادك بما فيك. / واللَّه ما كنت إلى ذمّك بالهيمان ولا إلى لحمك بالقرم، وإن سليما لتعلم أني أبحت حمى بني زبيد، وأطفأت جمرة خثعم، وكسرت قرني⁣(⁣٢) بني الحارث بن كعب، وقلَّدت بني كنانة قلائد العار، وإني يا خفاف لأخفّ منك⁣(⁣٣) على بني سليم مؤونة، وأثقل منك على عدوّهم وطأة، وقال مجيبا له:

  إني رأيت خفافا ليس يهنئه ... شيء سوى شتم عبّاس بن مرداس

  مهلا خفاف فإن الحق معضبة⁣(⁣٤) ... والحمق ليس له في الناس من آسي

  سائل سليما إذا ما غارة لحقت ... منها فوارس حشد غير أنكاس

  من خثعم وزبيد أو بني قطن ... أو رهط فروة دهرا أو شحا الناس⁣(⁣٥)

  ينبوا من الفارس الحامي حقيقته ... إذا أتوك بحام غير عبّاس

  لا يحسب النّاس قول الحق معترفا ... فانظر خفاف فما في الحق من باس

  من زار خيل بني سعد مسوّمة ... يهدي لأولها لأي بن شمّاس

  يوم اعترضت أبا بدر بجائفة ... تعوي بعرق من الأحشاء قلَّاس⁣(⁣٦)

  أدعى الرئيس إذا ما حربكم كشفت ... عن ساقها لكم والأمر للرّاس


(١) الطريق المهيع: الواسع البين.

(٢) في هب: «وكسرت قرني في بني الحارث».

(٣) ف: «عنك».

(٤) معضبة: مقطعة.

(٥) الشحا: الواسع، والمراد جميع الناس.

(٦) الطعنة الجائفة: التي تصل إلى الجوف. وعرق قلاس: يزخر بالدم.