أخبار عمارة بن الوليد ونسبه
  قالت له: ألم تحلف ألَّا تشرب؟ ولامته، فقال:
  ولسنا بشرب أمّ عمرو(١) إذا انتشوا ... ثياب النّدامى عندهم كالغنائم
  ولكنّنا يا أمّ عمرو نديمنا ... بمنزلة الرّيّان ليس بعائم
  أسرّك لما صرّع القوم نشوة ... أن أخرج منها سالما غير غارم
  خليّا كأنّي لم أكن كنت فيهم ... وليس الخداع مرتضى في التّنادم
  ملاحاة بينه وبين عمرو بن العاص
  [أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدثني عبد اللَّه بن أبي سعد، قال: حدثني محمد بن محمد بن قادم مولى بني هاشم، قال: حدثني عمي: أحمد بن جعفر، عن ابن دأب، قال:
  قدم رجل من تجار الروم بحلَّة من لباس قيصر على أهل مكة، فأتى بها عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزوميّ، فعرضها عليه بمائة حقّ من الإبل، فاستغلاها، فأتى بها عمرو بن العاص، فقال له: هل أتيت بها أحدا؟
  قال: نعم، عمارة بن الوليد فاستغلاها وقال: لن تعدم لها غويّا من بني سهم، قال: قد أخذتها، فاشتراها بمائة حقّ، يعني مائة بعير، ثم أقبل يخطر فيها حتى أتى بني مخزوم، فناداه عمارة: أتبيع الحلَّة يا عمرو؟ فغضب والتفت إلى عمارة، فقال:
  /
  عليك بجزّ رأس أبيك إنّا ... كفيناك المسهّمة(٢) الرّقاقا
  زووها(٣) عنكم وغلت عليكم ... وأعطينا بها مائة حقاقا
  وقلتم: لا نطيق ثياب سهم ... وكلّ سوف يلبس ما أطاقا
  قال: فغضب عمارة وقال: يا عمرو، ما هذا التّهوّر؟ إنك لست بعتبة بن ربيعة، ولا بأبي سفيان بن حرب، ولا الوليد بن المغيرة، ولا سهيل بن عمر، ولا أبيّ بن خلف، فقال عمرو: إلَّا أكن بعضهم فإن كلّ واحد منهم خير ما فيه فيّ: من عتبة حلمه، ومن أبي سفيان رأيه، ومن سهيل جوده، ومن أبيّ بن خلف نجدته، وأما الوليد فو اللَّه ما أحب أنّ فيّ كلّ ما فيه من خير وشر، ولكنك واللَّه مالك عقل الوليد، ولا بأس الحارث بن هشام وخالد بن الوليد، ولا لسان أبي الحكم، يعني أبا جهل. وانصرف، فأمر عمارة بجزور فنحرت على طريق عمرو، وأقبل عمرو فقال: لمن هذه الجزور؟ قيل: لعمارة، فقال له: أطعمنا منها يا عمارة، فضحك منه، ثم قال:
  عليك بجزر أير أبيك إنا ... كفيناك المشاشة والعراقا(٤)
  ومنسبة الأطايب من قريش ... ولم تر كأسنا إلَّا دهاقا
  ونلبس في الحوادث كلّ زغف(٥) ... وعند الأمن أبرادا رقاقا
  فوقع الشرّ بينهم، فقال عمرو:
(١) في ب، ما: «أم عوف».
(٢) سهّم الثوب وغيره: صور فيه سهاما، فهو مسهم.
(٣) زووها عنكم: صرفوها ونحّتوها.
(٤) المشاشة: رأس العظم اللين الذي يمكن مضغه. والعراق: العظم أكل لحمه.
(٥) الزغف: الدرع الواسعة الطويلة.