أخبار مساور ونسبه
  /
  وما ينفع المقبور عمران قبره ... إذا كان فيه جسمه يتهدّم
  شعر له في أصحاب أبي حنيفة
  أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعيّ قال: حدّثنا الرّياشيّ قال: حدّثنا محمد بن الصبّاح، عن سفيان بن عيينة، ونسخت هذا الخبر أيضا من بعض الكتب: أنّ حامد بن يحيى البلخيّ(١)، حدّث عن سفيان بن عيينة، وهذه الرواية أتمّ، قال:
  لمّا سمع مساور الورّاق لغط أصحاب أبي حنيفة وصياحهم أنشأ يقول:
  كنّا من الدّين قبل اليوم في سعة ... حتى بلينا بأصحاب المقاييس
  قوم إذا اجتمعوا ضجّوا كأنّهم ... ثعالب ضبحت بين النّواويس(٢)
  / فبلغ ذلك أبا حنيفة وأصحابه، فشقّ عليهم وتوعّدوه، فقال أبياتا ترضيهم وهي:
  إذا ما النّاس يوما قايسونا ... بآبدة من الفتيا ظريفه
  أتيناهم بمقياس ظريف(٣) ... مصيب من قياس أبي حنيفة
  إذا سمع الفقيه بها وعاها ... وأثبتها بحبر في صحيفة
  فبلغ أبا حنيفة فرضي. قال مساور: ثم دعينا إلى وليمة بالكوفة في يوم شديد الحرّ، فدخلت فلم أجد لرجلي موضعا من الزّحام، وإذا أبو حنيفة في صدر البيت، فلما رآني قال: إليّ يا مساور، فجئت فإذا مكان واسع، وقال لي: اجلس، فجلست، فقلت في نفسي: نفعتني أبياتي اليوم. قال: وكان إذا رآني بعد ذلك يقول لي: ها هنا، ها هنا، ويوسّع لي إلى جنبه، ويقول: إنّ هذا من أهل الأدب والفهم، انتهى.
  حفظ حقوق جيرانه ولكنهم ضيعوا حقه فهجاهم
  أخبرني محمّد بن الحسين بن دريد، قال: حدّثنا أبو المعمّر عبد الأول بن مزيد، أحد بني أنف الناقة، قال:
  كان مساور الورّاق لا يضيع حقّا لجار له، فماتت بنته، فلم يشهدها من جيرانه إلَّا نفر يسير، فقال مساور في ذلك:
  تغيّب عنّي كلّ جاف ضرورة ... وكلّ طفيليّ من القوم عاجز
  سريع إذا يدعى ليوم وليمة ... بطيء إذا ما كان حمل الجنائز
  أخبرني محمد بن الحسن، قال: حدّثنا عبد الأول، قال:
  قدم جار لمساور الورّاق من سفر، فجاءه يسلَّم عليه، فقال: يا جارية، هاتي لأبي القاسم غداء، فجاءت برغيق فوضعته على الخوان، فمدّ يده يأكل مع مساور، / وقال له: يا أبا القاسم، كل من هذا الخبز، فما أكلت خبزا أطيب منه، فقال مساور في ذلك:
(١) أ، ب، س: «بن أبي يحيى»، والمثبت من ف.
(٢) ضبحت الثعالب: صوتت. والنواويس: القبور. وفي «المختار»: «ثعالب ضجت».
(٣) في ف: صليب.