كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار مساور ونسبه

صفحة 357 - الجزء 18

  /

  وما ينفع المقبور عمران قبره ... إذا كان فيه جسمه يتهدّم

  شعر له في أصحاب أبي حنيفة

  أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعيّ قال: حدّثنا الرّياشيّ قال: حدّثنا محمد بن الصبّاح، عن سفيان بن عيينة، ونسخت هذا الخبر أيضا من بعض الكتب: أنّ حامد بن يحيى البلخيّ⁣(⁣١)، حدّث عن سفيان بن عيينة، وهذه الرواية أتمّ، قال:

  لمّا سمع مساور الورّاق لغط أصحاب أبي حنيفة وصياحهم أنشأ يقول:

  كنّا من الدّين قبل اليوم في سعة ... حتى بلينا بأصحاب المقاييس

  قوم إذا اجتمعوا ضجّوا كأنّهم ... ثعالب ضبحت بين النّواويس⁣(⁣٢)

  / فبلغ ذلك أبا حنيفة وأصحابه، فشقّ عليهم وتوعّدوه، فقال أبياتا ترضيهم وهي:

  إذا ما النّاس يوما قايسونا ... بآبدة من الفتيا ظريفه

  أتيناهم بمقياس ظريف⁣(⁣٣) ... مصيب من قياس أبي حنيفة

  إذا سمع الفقيه بها وعاها ... وأثبتها بحبر في صحيفة

  فبلغ أبا حنيفة فرضي. قال مساور: ثم دعينا إلى وليمة بالكوفة في يوم شديد الحرّ، فدخلت فلم أجد لرجلي موضعا من الزّحام، وإذا أبو حنيفة في صدر البيت، فلما رآني قال: إليّ يا مساور، فجئت فإذا مكان واسع، وقال لي: اجلس، فجلست، فقلت في نفسي: نفعتني أبياتي اليوم. قال: وكان إذا رآني بعد ذلك يقول لي: ها هنا، ها هنا، ويوسّع لي إلى جنبه، ويقول: إنّ هذا من أهل الأدب والفهم، انتهى.

  حفظ حقوق جيرانه ولكنهم ضيعوا حقه فهجاهم

  أخبرني محمّد بن الحسين بن دريد، قال: حدّثنا أبو المعمّر عبد الأول بن مزيد، أحد بني أنف الناقة، قال:

  كان مساور الورّاق لا يضيع حقّا لجار له، فماتت بنته، فلم يشهدها من جيرانه إلَّا نفر يسير، فقال مساور في ذلك:

  تغيّب عنّي كلّ جاف ضرورة ... وكلّ طفيليّ من القوم عاجز

  سريع إذا يدعى ليوم وليمة ... بطيء إذا ما كان حمل الجنائز

  أخبرني محمد بن الحسن، قال: حدّثنا عبد الأول، قال:

  قدم جار لمساور الورّاق من سفر، فجاءه يسلَّم عليه، فقال: يا جارية، هاتي لأبي القاسم غداء، فجاءت برغيق فوضعته على الخوان، فمدّ يده يأكل مع مساور، / وقال له: يا أبا القاسم، كل من هذا الخبز، فما أكلت خبزا أطيب منه، فقال مساور في ذلك:


(١) أ، ب، س: «بن أبي يحيى»، والمثبت من ف.

(٢) ضبحت الثعالب: صوتت. والنواويس: القبور. وفي «المختار»: «ثعالب ضجت».

(٣) في ف: صليب.