كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ابن مناذر ونسبه

صفحة 396 - الجزء 18

  خبره مع أبي خيرة

  أخبرني محمّد بن جعفر الصّيدلانيّ النّحويّ قال: حدثنا أحمد بن القاسم البرقيّ، قال: حدّثنا أحمد بن يعقوب، قال: حدّثني أحمد بن يحيى الهذليّ التّمّار، عن عبد اللَّه بن عبد الصّمد الضّبّيّ قال:

  كنّا يوما جلوسا في حلقة هبيرة بن جرير الضّبّيّ⁣(⁣١) إذ أقبل محمّد بن مناذر في برد قد كسته إيّاه بانة بنت أبي العاصي، فسلَّم عليّ وحدي، ولم يعرف منهم أحدا، ثم قام فجلس إلى أبي خيرة، فخاطبه مخاطبة خفيفة⁣(⁣٢)، وقام مغضبا، فقال لي هبيرة: من هذا؟ فقلت: محمّد بن مناذر، فقال: إنا للَّه قوموا بنا، فقام إلى أبي خيرة، فقال له: ماذا قال لك ابن مناذر؟ قال: سألني عن شيء وكنت مشغولا عنه فقال⁣(⁣٣): / يا أبا خيرة إن العشائر تغبطنا لعلمك، وما جعل / اللَّه عندك، فنشدناك اللَّه أن تكون لنا، كما كان عرادة لبني نمير، فإنه تعرّض لجرير فهجاه فعمّهم فقال:

  عرادة من بقيّة قوم لوط ... ألا تبّا لما فعلوا تبابا

  أتدري من كان عندك آنفا؟ قال: لا، قال: ابن مناذر، وما تعرّض لأعراض قوم قطَّ إلَّا هتكها وهتكهم، فإذا جاءك يسألك عن شيء فأجبه، ولا تعتلّ عليه بالبول، ولا تطلب منه شيئا، وكلّ ما أردت من جهته ففي مالي، قال: أفعل. قال: وكان أبو خيرة إذا سأله إنسان عن شيء ولم يعطه شيئا يعتلّ عليه بالبول. فما شعرنا من غد إلا بابن مناذر وقد أقبل، فعلمنا أنه قصد أبا خيرة، فأتيناه، فلما رأى جمعنا استحيا منّا، وسلَّم علينا وتبسّم، ثم قال:

  يا أبا خيرة، قد قلت شعرا، وقبيح بمثلي أن يسأل عنه فلا يدري ما فيه، وإنّي ذكرت فيه إنسانا فشبّهته بالأفّار، فأيّ شيء هو؟ فاحمرّ وجه أبي خيرة واضطرب، وقال: هو التّيس الوثّاب الذي ينزو وقضيبه رخو فلا يصل، فقال:

  جزيت خيرا، ووثب وهو يضحك، فقمنا إليه وقلنا: قد علمنا أنّك عنيت هذا الشيخ، فإن رأيت أن تهبه لنا فافعل؛ فإنّه شيخنا، قال: واللَّه ما عنيت غيره، وقد وهبته لكم وكرامة، واللَّه لا يسمع مني أجد ما قلت فيه، ولا أذكره إلا بخير أبدا، وإن كان قد أساء العشرة أمس.

  صوت

  لا زلت تنشر أعيادا وتطويها ... تمضي بها لك أيّام وتمضيها⁣(⁣٤)

  ولا تقضّت بك الدنيا ولا برحت ... تطوي لك الدهر أياما وتفنيها

  الشعر لأشجع السّلميّ، والغناء لإبراهيم الموصليّ ثاني مطلق في مجرى البنصر، وفيه لمحمد قريض⁣(⁣٥) لحن من الثقيل الأول، وهو من مشهور غنائه ومختاره.


(١) ف: «حديد».

(٢) في ف، بيروت: خفية.

(٣) وفي ب، س: «فقلت: آه يا أبا خيرة».

(٤) في ب: «تقضي بها لذ أيام ...».

(٥) ف: «قريص».