كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ابن مناذر ونسبه

صفحة 395 - الجزء 18

  رواية أخرى في خبره مع أبي العتاهية

  أخبرني محمد بن عمران الصيرفيّ، قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدّثنا محمد بن عبد اللَّه العبديّ، قال: حدّثنا عليّ بن المبارك / الأحمر، قال:

  لقي أبو العتاهية ابن مناذر بمكَّة، فجعل يمازحه ويضاحكه، ثم دخل على الرّشيد، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا ابن مناذر شاعر البصرة يقول قصيدة في سنة، وأنا أقول في سنة مائتي قصيدة⁣(⁣١)، فقال الرشيد: أدخله إليّ، فأدخله إليه وقدّر أنّه يضعه عنده، فدخل فسلَّم ودعا، فقال: ما هذا الذي يحكيه عنك أبو العتاهية؟ فقال ابن مناذر:

  وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: زعم أنك تقول قصيدة في سنة، وأنّه يقول كذا وكذا قصيدة في السّنة، فقال:

  يا أمير المؤمنين، لو كنت أقول كما يقول:

  ألا يا عتبة السّاعة ... أموت السّاعة السّاعه

  لقلت منه كثيرا، ولكنّي الذي أقول:

  إنّ عبد المجيد يوم تولَّى ... هدّ ركنا ما كان بالمهدود

  ما درى نعشه ولا حاملوه ... ما على النّعش من عفاف وجود

  فقال له الرشيد: هاتها فأنشدنيها، فأنشده، فقال الرشيد: ما كان ينبغي أن تكون هذه القصيدة إلَّا في خليفة أو وليّ عهد، ما لها عيب إلَّا أنّك قلتها في سوقة، وأمر له بعشرة آلاف درهم، فكاد أبو العتاهية يموت غمّا وأسفا.

  سئل عنه يحيى بن معين فذمّه

  أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثنا ابن مهرويه، قال: حدثنا إبراهيم بن الجنيد، قال:

  سألت يحيى بن معين، عن محمّد بن مناذر الشاعر، فقال: لم يكن بثقة ولا مأمون، رجل سوء نفي من البصرة، ووصفه بالمجون والخلاعة، فقلت: إنما / تكتب شعره⁣(⁣٢) وحكايات عن الخليل بن أحمد، فقال: هذا نعم. وأما الحديث فلست أراه موضعا له.

  وفاته بعد أن كف بصره

  أخبرني الحسن، قال: حدّثني ابن مهرويه، قال: حدثني عليّ بن محمد النّوفليّ قال:

  رأيت ابن مناذر في الحجّ سنة ثمان وتسعين ومائة، قد كفّ بصره، تقوده جويرية حرّة، وهو واقف يشتري ماء قربة، فرأيته وسخ الثّوب والبدن، فلما صرنا إلى البصرة أتتنا وفاته في تلك الأيّام.

  أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال: حدّثنا خلَّاد الأرقط قال:

  تذاكرنا ابن مناذر في حلقة يونس، فقدح فيه أكثر أهل الحلقة، حتى نسبوه إلى الزّندقة، فلما صرت في السّقيفة التي في مقدّم المسجد سمعت قراءة قريبة من حائط القبلة، فدنوت فإذا ابن مناذر قائم يصلَّي، فرجعت إلى الحلقة، فقلت لأهلها: قلتم في الرجل ما قلتم، وها هو ذا قائم يصلَّي حيث لا يراه إلا اللَّه ø.


(١) في هب: «في سنة واحدة مائتي قصيدة»، وفي ب: «ما بين قصائد»، تحريف.

(٢) ف: «إنما يكتب عنه شعرا أو حكايات عن الخليل».