نسب أشجع وأخباره
  التّشبيب وأنشدته من موضع المديح في قصيدتي التي أوّلها:
  تذكَّر عهد البيض وهو لها ترب ... وأيّام يصبي الغانيات ولا يصبو
  فابتدأت قولي في المديح:
  إلى ملك يستغرق المال جوده ... مكارمه نثر(١) ومعروفه سكب
  وما زال هارون الرّضا بن محمّد ... له من مياه النّصر مشربها العذب
  متى تبلغ العيس المراسيل بابه ... بنا فهناك الرّحب والمنزل الرّحب
  لقد جمعت فيك الظَّنون ولم يكن ... بغيرك ظنّ يستريح له القلب(٢)
  جمعت ذوي الأهواء حتى كأنّهم ... على منهج بعد افتراقهم ركب
  بثثت(٣) على الأعداء أبناء دربة ... فلم يقهم منهم حصون ولا درب
  وما زلت ترميهم بهم متفرّدا ... أنيساك حزم الرّأي والصّارم العضب
  جهدت فلم أبلغ علاك بمدحة ... وليس على من كان مجتهدا عتب
  فضحك الرّشيد وقال لي: خفت أن يفوت وقت الصلاة فينقطع المديح عليك، فبدأت به وتركت التّشبيب، وأمرني بأن أنشده التّشبيب فأنشدته إيّاه، فأمر لكلّ واحد من الشّعراء بعشرة آلاف درهم وأمر لي بضعفها.
  أنشد الرشيد قصيدته الميمية فاستحسنها وقال: هكذا تمدح الملوك
  أخبرني حبيب بن نصر المهلَّبيّ، قال: حدّثنا عمر بن شبّة، قال: حدّثني أحمد بن سيّار الجرجانيّ وكان راوية شاعرا مدّاحا ليزيد بن مزيد، قال:
  / دخلت أنا وأشجع والتّيميّ، وابن رزين الخراسانيّ(٤) على الرشيد في قصر له بالرقّة، وكان قد ضرب أعناق قوم في تلك الساعة، فجعلنا نتخلَّل الدّماء حتى وصلنا إليه، فأنشده أبو محمد التّيميّ قصيدة له يذكر فيها نقفور(٥) ووقعته ببلاد الرّوم، فنثر عليه مثل الدّرّ من جودة شعره، وأنشده أشجع قوله:
  قصر عليه تحيّة وسلام ... ألقت عليه جمالها الأيّام
  قصرت(٦) سقوف المزن دون سقوفه ... فيه لأعلام الهدى أعلام
  تثني على أيّامك الأيّام ... والشاهدان الحلّ والإحرام(٧)
  نتك من ظل النبي وصيّة ... بة وشجت بها الأرحام
  برقت سماؤك في العدو وأمطرت ... هاما لها ظلّ السيوف غمام
  وإذا سيوفك صافحت هام العدى ... طارت لهن عن الرؤوس الهام(٧)
(١) في «المختار»: فينا.
(٢) أ، ب، س:
«بغيرك ما ظن يستريح له قلب»
، وهو غير مستقيم الوزن.
(٣) في ب، ما: بنيت.
(٤) ف: «الخزاعي».
(٥) في ب: تغفور.
(٦) في ف، بيروت: قصر.
(٧ - ٧) الأبيات الثلاثة من «مختار الأغاني».