نسب أشجع وأخباره
  وعلى عدوّك يا بن عمّ محمّد ... رصدان ضوء الصّبح والإظلام
  فإذا تنبّه رعته وإذا غفا ... سلَّت عليه سيوفك الأحلام
  / وأنشدته أنا قولي:
  زمن بأعلى الرّقمتين قصير
  حتى انتهيت إلى قولي:
  لا تبعد الأيّام إذ ورق الصّبا ... خضل وإذ غضّ الشباب(١) نضير
  فاستحسن هذا البيت، ومضيت في القصيدة حتى أتممتها، فوجّه إليّ الفضل بن الربيع: أنفذ إليّ قصيدتك، فإني أريد أن أنشدها الجواري من استحسانه إيّاها.
  / قال: وركب الرشيد يوما قبّة وسعيد بن سالم(٢) معه في القبّة، فقال: أين محمد البيذق؟ وكان رجلا حسن الصّوت ينشد الشعر فيطرب بحسن صوته أشدّ من إطراب الغناء، فحضر، فقال: أنشدني قصيدة الجرجانيّ، فأنشده، فقال: الشّعر في ربيعة سائر اليوم، فقال له سعيد بن سالم: يا أمير المؤمنين، استنشده قصيدة أشجع بن عمرو، فأبى، فلم يزل به حتى أجاب إلى استماعها، فلما أنشده هذين البيتين:
  وعلى عدوّك يا بن عمّ محمّد
  والذي بعده، قال له سعيد بن سالم(٢): واللَّه يا أمير المؤمنين، لو خرس بعد هذين لكان أشعر الناس.
  أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف، قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني أبي، قال:
  بلغني أنّ أشجع لمّا أنشد الرّشيد هذين البيتين:
  وعلى عدوّك يا بن عمّ محمّد
  والذي بعده، طرب الرشيد، وكان متّكئا فاستوى جالسا، وقال: أحسن واللَّه، هكذا تمدح الملوك.
  أخبرني أحمد بن إسحاق العسكريّ، والحسن بن عليّ، قالا: حدثنا أحمد بن سعيد بن سالم الباهليّ، عن أبيه، قال:
  كنت عند الرّشيد، فدخل إليه أشجع، ومنصور النّمريّ، فأنشده أشجع قوله:
  وعلى عدوّك يا بن عمّ محمّد ... رصدان ضوء الصّبح والإظلام
  فإذا تنبّه رعنه وإذا غفا(٣) ... سلَّت عليه سيوفك الأحلام
  فاستحسن ذلك الرّشيد، وأومأت إلى أشجع أن يقطع الشعر، وعلمت أنّه لا يأتي / بمثلهما، فلم يفعل، ولمّا أنشده ما بعدهما فتر الرّشيد وضرب بمحضرة كانت بيده الأرض، واستنشد منصورا النّمريّ، فأنشده قوله:
  ما تنقضي حسرة منّي ولا جزع ... إذا ذكرت شبابا ليس يرتجع
(١) في ف: غصن.
(٢) ف: «سلم».
(٣) في «الشعر والشعراء» لابن قتيبة ٢ - ٨٨٢ ط. المعارف: ... وإذا هدى.