كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب أشجع وأخباره

صفحة 399 - الجزء 18

  وعلى عدوّك يا بن عمّ محمّد ... رصدان ضوء الصّبح والإظلام

  فإذا تنبّه رعته وإذا غفا ... سلَّت عليه سيوفك الأحلام

  / وأنشدته أنا قولي:

  زمن بأعلى الرّقمتين قصير

  حتى انتهيت إلى قولي:

  لا تبعد الأيّام إذ ورق الصّبا ... خضل وإذ غضّ الشباب⁣(⁣١) نضير

  فاستحسن هذا البيت، ومضيت في القصيدة حتى أتممتها، فوجّه إليّ الفضل بن الربيع: أنفذ إليّ قصيدتك، فإني أريد أن أنشدها الجواري من استحسانه إيّاها.

  / قال: وركب الرشيد يوما قبّة وسعيد بن سالم⁣(⁣٢) معه في القبّة، فقال: أين محمد البيذق؟ وكان رجلا حسن الصّوت ينشد الشعر فيطرب بحسن صوته أشدّ من إطراب الغناء، فحضر، فقال: أنشدني قصيدة الجرجانيّ، فأنشده، فقال: الشّعر في ربيعة سائر اليوم، فقال له سعيد بن سالم: يا أمير المؤمنين، استنشده قصيدة أشجع بن عمرو، فأبى، فلم يزل به حتى أجاب إلى استماعها، فلما أنشده هذين البيتين:

  وعلى عدوّك يا بن عمّ محمّد

  والذي بعده، قال له سعيد بن سالم⁣(⁣٢): واللَّه يا أمير المؤمنين، لو خرس بعد هذين لكان أشعر الناس.

  أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف، قال: حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني أبي، قال:

  بلغني أنّ أشجع لمّا أنشد الرّشيد هذين البيتين:

  وعلى عدوّك يا بن عمّ محمّد

  والذي بعده، طرب الرشيد، وكان متّكئا فاستوى جالسا، وقال: أحسن واللَّه، هكذا تمدح الملوك.

  أخبرني أحمد بن إسحاق العسكريّ، والحسن بن عليّ، قالا: حدثنا أحمد بن سعيد بن سالم الباهليّ، عن أبيه، قال:

  كنت عند الرّشيد، فدخل إليه أشجع، ومنصور النّمريّ، فأنشده أشجع قوله:

  وعلى عدوّك يا بن عمّ محمّد ... رصدان ضوء الصّبح والإظلام

  فإذا تنبّه رعنه وإذا غفا⁣(⁣٣) ... سلَّت عليه سيوفك الأحلام

  فاستحسن ذلك الرّشيد، وأومأت إلى أشجع أن يقطع الشعر، وعلمت أنّه لا يأتي / بمثلهما، فلم يفعل، ولمّا أنشده ما بعدهما فتر الرّشيد وضرب بمحضرة كانت بيده الأرض، واستنشد منصورا النّمريّ، فأنشده قوله:

  ما تنقضي حسرة منّي ولا جزع ... إذا ذكرت شبابا ليس يرتجع


(١) في ف: غصن.

(٢) ف: «سلم».

(٣) في «الشعر والشعراء» لابن قتيبة ٢ - ٨٨٢ ط. المعارف: ... وإذا هدى.