نسب أشجع وأخباره
  الملوك، ووضعت نفسها موضع السّوقة، وإني واضعك بغير ذلك الموضع، وعامل على تطرّق(١) بلادك والهجوم على أمصارك، أو تؤدّي إليّ ما كانت المرأة تؤدّي إليك، والسّلام.
  رد الرشيد عليه
  فلمّا ورد كتابه على الرّشيد كتب إليه:
  «﷽ - من عبد اللَّه هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الرّوم، / أما بعد، فقد فهمت كتابك، وجوابك عندي ما تراه عيانا لا ما تسمعه». ثم شخص من شهره ذلك يؤمّ بلاد الرّوم في جمع لم يسمع بمثله، وقوّاد لا يجارون نجدة ورأيا، فلما بلغ ذلك نقفور ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وشاور في أمره.
  أبو العتاهية يذكر هزيمة نقفور ويمدح الرشيد
  وجدّ الرّشيد يتوغَّل في بلاد الروم فيقتل ويغنم ويسبي، ويخرّب الحصون ويعفّي الآثار حتى صار إلى طرق متضايقة دون قسطنطينيّة، فلما بلغها وجدها وقد أمر نقفور بالشّجر فقطع ورمي به في تلك الطَّرق، وألقيت فيه النّار، فكان أوّل من لبس ثياب النفّاطين محمد بن يزيد بن مزيد، فخاضها، ثم اتّبعه الناس، فبعث إليه نقفور بالهدايا وخضع له أشدّ الخضوع، وأدّى إليه الجزية عن رأسه فضلا عن أصحابه فقال في ذلك أبو العتاهية:
  إمام الهدى أصبحت بالدّين معنيّا ... وأصبحت تسقي كلّ مستمطر ريّا
  لك اسمان شقّا من رشاد ومن هدى ... فأنت الذي تدعى رشيدا ومهديّا
  إذا ما سخطت الشيء كان مسخّطا ... وإن ترض شيئا كان في النّاس مرضيّا
  بسطت لنا شرقا وغربا يد العلا ... فأوسعت شرقيّا وأوسعت غربيّا
  ووشّيت وجه الأرض بالجود والنّدى ... فأصبح وجه الأرض بالجود موشيّا
  وأنت - أمير المؤمنين - فتى التقى ... نشرت من الإ «حسان ما كان مطويّا
  قضى اللَّه أن يبقى لهارون ملكهه ... وكان قضاء اللَّه في الخلق مقضيّا
  تجلَّلت الدّنيا لهارون ذي الرّضا(٢) ... وأصبح نقفور لهارون ذمّيّا
  شاعر من أهل جدّة يعلم الرشيد بغدر نقفور
  فرجع الرشيد - لمّا أعطاه نقفور ما أعطاه - إلى الرّقّة، فلما سقط الثّلج وأمن نقفور أن يغزى اغترّ بالمهلة، ونقض ما بينه وبين الرشيد، ورجع إلى حالته الأولى، فلم يجتزئ يحيى بن خالد - فضلا عن غيره - على إخبار الرّشيد بغدر نقفور، فبذل هو وبنوه الأموال للشّعراء على أن يقولوا أشعارا في إعلام الرّشيد بذلك، فكلَّهم كعّ(٣) وأشفق إلا شاعرا من أهل جدّة كان يكنى أبا محمد، / وكان مجيدا قويّ النّفس قويّ الشّعر، وكان ذو اليمينين اختصّه في أيّام المأمون ورفع قدره جدّا، فإنّه أخذ من يحيى وبنيه مائة ألف درهم، ودخل على الرّشيد فأنشده:
(١) وعامل على تطرق بلادك، أي على السير إليها.
(٢) في «التجريد»:
«تحليت للدنيا وللدين بالرضا»
(٣) كع: جبن.