كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب أشجع وأخباره

صفحة 422 - الجزء 18

  يذكر حفر نهر ويمدح الرشيد

  أخبرني محمد بن جعفر، قال: حدثني محمد بن موسى بن حمّاد، قال: أخبرني أبو عبد اللَّه النّخعيّ، قال:

  أمر الرّشيد بحفر نهر لبعض أهل السّواد، وقد كان خرب وبطل ما عليه، فقال أشجع السّلميّ يمدحه:

  أجرى الإمام الرّشيد نهرا ... عاش بعمرانه الموات

  جاد عليه بريق فيه ... وسرّ مكنونه الفرات

  ألقمه درّة لقوحا ... يرضع أخلافها النّبات⁣(⁣١)

  حلم الرشيد حلما مزعجا ومات بعده فرثاه أشجع

  أخبرني جحظة، قال: حدّثني ميمون بن هارون، قال:

  / رأى الرّشيد فيما يرى النّائم كأنّ امرأة وقفت عليه وأخذت كفّ تراب ثم قالت له: هذه تربتك عن قليل، فأصبح فزعا، وقصّ رؤياه، فقال له أصحابه: وما هذا؟ قد يرى النّاس أكثر ممّا رأيت وأغلظ ثم لا يضرّ. فركب وقال: واللَّه إنّي لأرى الأمر قد قرب، فبينا هو يسير إذ نظر إلى امرأة واقفة من وراء شبّاك حديد تنظر إليه، فقال:

  هذه واللَّه المرأة التي رأيتها، ولو رأيتها بين ألف امرأة⁣(⁣٢) ما خفيت عليّ، / ثم أمرها أن تأخذ كفّ تراب فتدفعه إليه، فضربت بيدها إلى الأرض التي كانت عليها فأعطته منها كفّ تراب، فبكى ثم قال: هذه واللَّه التّربة التي أريتها، وهذه المرأة بعينها. ثم مات بعد مدّة، فدفن في ذلك الموضع بعينه، اشتري له ودفن فيه، وأتى نعيه بغداد، فقال أشجع يرثيه:

  غربت بالمشرق الشّمس فقل للعين تدمع

  ما رأينا قطَّ شمسا ... غربت من حيق تطلع

  يتغزل في جارية حرب الثقفي ويذمه

  أخبرني عمّي، قال: حدّثنا محمد بن موسى، قال: حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد، قال: حدثني محمد بن عبد اللَّه بن مالك، قال:

  كان حرب بن عمرو الثّقفيّ نخّاسا، وكانت له جارية مغنّيه، وكان الشعراء والكتّاب وأهل الأدب ببغداد يختلفون إليها يسمعونها، وينفقون في منزله النّفقات الواسعة، ويبرّونه ويهدون إليه، فقال أشجع:

  جارية تهتزّ أرادفها ... مشبعة الخلخال والقلب⁣(⁣٣)

  أشكو الذي لاقيت من حبّها ... وبغض مولاها إلى الرّبّ

  من بغض مولاها ومن حبّها ... سقمت بين البغض والحبّ

  / فاختلجا في الصدر حتى استوى ... أمرهما فاقتسما قلبي

  تعجّل اللَّه شفائي بها ... وعجّل السّقم إلى حرب


(١) في ب، مد: «أخلافه». والدّرّة: اللَّبن أو كثرته، والأخلاف جمع خلف: حلمة ضرع الناقة.

(٢) في ب، مد، ما: «ولو رأيتها ألف مرة ما خفيت»!.

(٣) القلب: سوار المرأة.