نسب أشجع وأخباره
  يذكر حفر نهر ويمدح الرشيد
  أخبرني محمد بن جعفر، قال: حدثني محمد بن موسى بن حمّاد، قال: أخبرني أبو عبد اللَّه النّخعيّ، قال:
  أمر الرّشيد بحفر نهر لبعض أهل السّواد، وقد كان خرب وبطل ما عليه، فقال أشجع السّلميّ يمدحه:
  أجرى الإمام الرّشيد نهرا ... عاش بعمرانه الموات
  جاد عليه بريق فيه ... وسرّ مكنونه الفرات
  ألقمه درّة لقوحا ... يرضع أخلافها النّبات(١)
  حلم الرشيد حلما مزعجا ومات بعده فرثاه أشجع
  أخبرني جحظة، قال: حدّثني ميمون بن هارون، قال:
  / رأى الرّشيد فيما يرى النّائم كأنّ امرأة وقفت عليه وأخذت كفّ تراب ثم قالت له: هذه تربتك عن قليل، فأصبح فزعا، وقصّ رؤياه، فقال له أصحابه: وما هذا؟ قد يرى النّاس أكثر ممّا رأيت وأغلظ ثم لا يضرّ. فركب وقال: واللَّه إنّي لأرى الأمر قد قرب، فبينا هو يسير إذ نظر إلى امرأة واقفة من وراء شبّاك حديد تنظر إليه، فقال:
  هذه واللَّه المرأة التي رأيتها، ولو رأيتها بين ألف امرأة(٢) ما خفيت عليّ، / ثم أمرها أن تأخذ كفّ تراب فتدفعه إليه، فضربت بيدها إلى الأرض التي كانت عليها فأعطته منها كفّ تراب، فبكى ثم قال: هذه واللَّه التّربة التي أريتها، وهذه المرأة بعينها. ثم مات بعد مدّة، فدفن في ذلك الموضع بعينه، اشتري له ودفن فيه، وأتى نعيه بغداد، فقال أشجع يرثيه:
  غربت بالمشرق الشّمس فقل للعين تدمع
  ما رأينا قطَّ شمسا ... غربت من حيق تطلع
  يتغزل في جارية حرب الثقفي ويذمه
  أخبرني عمّي، قال: حدّثنا محمد بن موسى، قال: حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد، قال: حدثني محمد بن عبد اللَّه بن مالك، قال:
  كان حرب بن عمرو الثّقفيّ نخّاسا، وكانت له جارية مغنّيه، وكان الشعراء والكتّاب وأهل الأدب ببغداد يختلفون إليها يسمعونها، وينفقون في منزله النّفقات الواسعة، ويبرّونه ويهدون إليه، فقال أشجع:
  جارية تهتزّ أرادفها ... مشبعة الخلخال والقلب(٣)
  أشكو الذي لاقيت من حبّها ... وبغض مولاها إلى الرّبّ
  من بغض مولاها ومن حبّها ... سقمت بين البغض والحبّ
  / فاختلجا في الصدر حتى استوى ... أمرهما فاقتسما قلبي
  تعجّل اللَّه شفائي بها ... وعجّل السّقم إلى حرب
(١) في ب، مد: «أخلافه». والدّرّة: اللَّبن أو كثرته، والأخلاف جمع خلف: حلمة ضرع الناقة.
(٢) في ب، مد، ما: «ولو رأيتها ألف مرة ما خفيت»!.
(٣) القلب: سوار المرأة.