أخبار ابن مفرغ ونسبه
  زياد، واعتذر إليه وسأله الصّفح والأمان، فأمّنه وأقام بها مدّة، ثمّ دخل عليه بعد أن أمّنه فقال: أصلح اللَّه الأمير، إني قد ظننت أنّ نفسك لا تطيب لي بخير أبدا، ولي أعداء لا آمن سعيهم عليّ بالباطل، وقد رأيت أن أتباعد، فقال له: إلى أين شئت؟ فقال: كرمان، فكتب له إلى شريك بن الأعور وهو عليها بجائزة وقطيعة / وكسوة، فشخص فأقام بها حتى هرب عبيد اللَّه من البصرة، فعاد إليها. هذه رواية عمر بن شبّة.
  رواية أخرى في سبب إنقاذه من ابني زياد
  وقال محمد بن خلف في روايته، عن أحمد بن الهيثم، عن المدائنيّ، وعن العمريّ، عن لقيط:
  أنّ ابن مفرّغ لمّا طال حبسه وبلاؤه، ركب طلحة الطَّلحات إلى الحجاز، ولقي قريشا - وكان ابن مفرّغ حليفا لبني أميّة - فقال لهم طلحة: يا معشر قريش، إنّ أخاكم وحليفكم ابن مفرّغ قد ابتلي بهذه الأعبد من بني زياد، وهو عديدكم وحليفكم ورجل منكم، وو اللَّه ما أحب أن يجري اللَّه عافيته على يدي دونكم، ولا أفوز بالمكرمة في أمره وتخلوا منها، فانهضوا معي بجماعتكم إلى يزيد بن معاوية، فإنّ أهل اليمن قد تحرّكوا بالشّام، فركب خالد بن عبد اللَّه بن خالد(١) بن أسيد، وأمية بن عبد اللَّه أخوه، وعمر بن عبيد اللَّه بن معمر، ووجوه خزاعة(٢) وكنانة / وخرجوا إلى يزيد، فبينا هم يسيرون ذات ليلة إذ سمعوا راكبا يتغنّى في سواد الليل بقول ابن مفرّغ ويقول:
  إنّ تركي ندى سعيد بن عثما ... ن بن عفّان(٣) ناصري وعديدي
  واتّباعي أخا الضّراعة واللَّؤ ... م لنقص وفوت شأو بعيد
  قلت واللَّيل مطبق بعراه: ... ليتني متّ قبل ترك سعيد
  ليتني متّ قبل تركي أخا النّج ... دة والحزم والفعال السّديد
  عبشميّ أبوه عبد مناف ... فاز منها بتاجها المعقود
  ثمّ جود لو قيل: هل من مزيد(٤) ... قلت للسائلين: ما من مزيد
  قل لقومي لدى الأباطح من آ ... ل لؤيّ بن غالب ذي الجود:
  سامني بعدكم دعيّ زياد ... خطَّة الغادر(٥) اللئيم الزّهيد
  كان ما كان في الأراكة واجت ... بّ ببرد سنام عيسى وجيدي
  أوغل العبد في العقوبة والشّت ... م وأودى بطارفي وتليدي
  فارحلوا في حليفكم وأخيكم ... نحو غوث المستصرخين يزيد
  فاطلبوا النّصف(٦) من دعيّ زياد ... وسلوني بما ادّعيت شهودي
  قال: فدعا القوم بالراكب فقالوا له: ما هذا الذي سمعناه منك تغنّي به؟ فقال: هذا قول رجل واللَّه إنّ أمره لعجب، رجل ضائع بين قريش واليمن، وهو رجل الناس، قالوا: ومن هو؟ قال: ابن مفرّغ، قالوا: / واللَّه ما رحلنا
(١) ب: «إلى خالد بن أسيد».
(٢) ب: «في وجوه خزاعة».
(٣) في «الشعر والشعراء»:
... سعيد بن عثمان ... فتى الجود ... «
(٤) ب: «لو قيل فيه مزيد».
(٥) ف:
«خطة العار واللئيم الزهيد»
(٦) النصف: الإنصاف.