أخبار ابن مفرغ ونسبه
  حباني عبيد اللَّه يابنة أبجر ... بهذا، وهذا للجمانة أجمع
  يقرّ بعيني أن أراها وأهلها ... بأفضل حال ذاك مرأى ومسمع
  وخبّرتها قالت: لقد حال بعدنا ... فقد جعلت نفسي إليها تطلَّع
  وقلت لها لمّا أتاني رسولها ... وأيّ رسول لا يضرّ وينفع
  أحبّك ما دامت بنجد وشيجة(١) ... وما رفعت يوما إلى اللَّه إصبع
  وإني مليء يا جمانة بالهوى ... وصدق الهوى إن كان ذلك يقنع
  / قال: فلما انتهت رسل عبيد اللَّه بن أبي بكرة معه إلى الأهواز قالوا له: قد بلغنا حيث أمرنا، قال: أجل، ثم أمر ابنة أعنق أن تفتح الباب وقال لها: كلّ ما دخل دارك فهو لك.
  يمدح عبيد اللَّه بن أبي بكرة
  وأقام بالأهواز، ودعا ندماء كانوا له من فتيان العرب فلم يبق ظريف ولا مغنّ إلا أتاه، واستماحه جماعة قصدوه من أهل البصرة والكوفة والشّام فأعطاهم، ولم يفارق أناهيد ومعه شيء من المال، وجعل القوم يسألونه عن عبيد اللَّه بن أبي بكرة وكيف هو وأخلاقه وجوده فقال:
  يسائلني أهل العراق عن النّدى ... فقلت: عبيد اللَّه حلف المكارم
  فتى حاتميّ في سجستان رحله ... وحسبك جودا أن يكون كحاتم
  سما لينال المكرمات فنالها ... بشدّة ضرغام وبذل الدّراهم
  وحلم إذا ما سورة الحقد(٢) أطلقت ... حبا القوم عند الفادح المتفاقم
  وإنّ له في كلّ حيّ صنيعة ... يحدّثها الرّكبان أهل المواسم
  دعاني إليه جوده ووفاؤه ... ومن دون مسراه عداة الأعاجم
  فلم أبق إلا جمعة في جواره ... ويومين حلَّا من أليّة آثم(٣)
  إلى أن دعاني زانه اللَّه بالعلا ... فأنبت ريشي من صميم القوادم(٤)
  وقال: إذا ما شئت يا بن مفرّغ ... فعد عودة ليست كأضغاث حالم
  فقلت له - لا يبعد اللَّه داره -: ... أعود إذا ما جئتكم غير حاشم
  وأحمدت وردي إذ وردت حياضه ... وكلّ كريم نهزة(٥) للأكارم
  / فأصبح لا يرجو العراق وأهله ... سواه لنفع أو لدفع العظائم
  وإنّ عبيد اللَّه هنّا رفده ... سراحا وأعطى رفده غير غانم(٦)
(١) الوشيجة: عرق الشجرة.
(٢) ف، «المختار»: «سورة الجهل». وسورة الحقد: حدته وشدته.
(٣) الألية: القسم. وفي ف، «المختار»: «فلم أثو» بدل «فلم أبق».
(٤) ف، «المختار»: «فأنبت من ريشي مهيض القوادم».
(٥) النهزة: الفرصة.
(٦) هنّأ رفده: أكثره. وفي «المختار»: «غير عاتم» أي غير كافّ عنه بعد أن مضى فيه.