كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عروة بن أذينة ونسبه

صفحة 470 - الجزء 18

  كم من فقير غنيّ النّفس تعرفه ... ومن غنيّ فقير النّفس مسكين

  ومن عدوّ رماني لو قصدت له ... لم يأخذ النّصف مني حين يرميني⁣(⁣١)

  ومن أخ لي طوى كشحا فقلت له: ... إنّ انطواءك عني سوف يطويني

  إني لأنطق فيما كان من أربي ... وأكثر الصّمت فيما ليس يعنيني

  لا أبتغي وصل من يبغي مفارقتي⁣(⁣٢) ... ولا ألين لمن لا يشتهي ليني

  فقال له ابن أذينة: نعم أنا قائلها، قال: أفلا قعدت في بيتك حتى يأتيك رزقك!.

  وغفل عنه هشام، فخرج من وقته وركب راحلته ومضى منصرفا، ثم افتقده هشام فعرف خبره، فأتبعه بجائزة وقال للرّسول: قل له: أردت أن تكذّبنا وتصدّق نفسك. فمضى الرسول فلحقه وقد نزل على ماء يتغذّى عليه، فأبلغه رسالته ودفع الجائزة. فقال: قل له: صدّقني ربّي وكذّبك.

  قال يحيى بن عروة: وفرض له فريضتين، فكنت أنا في إحداهما.

  أخبرنا وكيع قال: حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك، قال: حدّثني الزّبير بن بكَّار، قال: حدّثني أبو غزيّة، قال: حدّثني أنس بن حبيب، قال:

  خرج ابن أذينة إلى هشام بن عبد الملك في قوم من أهل المدينة وفدوا عليه، وكان ابنه مسلمة بن هشام سنة حجّ أذن لهم في الوفود عليه، فلما دخلوا على هشام انتسبوا له وسلَّموا عليه، فقال: ما جاء بك يا بن أذينة؟

  فقال:

  أتينا نمتّ بأرحامنا ... وجئنا بإذن أبي شاكر

  فإنّ الذي سار معروفه ... بنجد وغار مع الغائر

  / إلى خير خندف في ملكها ... لباد من النّاس أو حاضر

  فقال له هشام: ما أراك إلا قد أكذبت نفسك حيث تقول:

  لقد علمت وما الإسراف من خلقي ... أنّ الذي هو رزقي سوف يأتيني

  أسعى له فيعنّيني تطلَّبه ... ولو جلست أتاني لا يعنّيني

  فقال له ابن أذينة: ما أكذبت نفسي يا أمير المؤمنين، ولكني صدّقتها، وهذا من ذاك. ثم خرج من عنده فركب راحلته إلى المدينة، فلما أمر لهم هشام بجوائزهم فقده، فقال: أين ابن أدينة؟ فقالوا: غضب من تقريعك له يا أمير المؤمنين، فانصرف راجعا إلى المدينة، فبعث إليه هشام بجائزته.

  مرّ بغنمه وراعيه نائم فضربه وقال شعرا

  أخبرنا وكيع، قال: حدّثنا هارون بن محمد، قال: حدّثنا الزّبير بن بكَّار، قال: حدّثني عمّي، عن عروة بن عبيد اللَّه، قال:

  كان عروة بن أذينة نازلا مع أبي في قصر عروة بالعقيق، وخرج أبي يوما يمشي وأنا معه وابن أذينة، ونظر إلى


(١) هذا البيت ساقط من ف. والنّصف: الإنصاف. يقال: ما جعلوا بيني وبينهم نصفا.

(٢) «المختار»: «مقاطعتي».