ذكر مخارق وأخباره
  جمع إبراهيم بن المهديّ المغنّين ذات يوم في منزله، فأقاموا، فلمّا دخلوا في الليل ثمل مخارق وسكر سكرا شديدا، فسألوه أن يغني صوتا، فغنّى هذا البيت من شعر عمر بن أبي ربيعة المخزوميّ:
  قال: ساروا وأمعنوا واستقلَّوا ... وبرغمي لو استطعت سبيلا
  فانتهى منه إلى قوله: واستقلوا. وانثنى نائما، فقال إبراهيم بن المهديّ: مهّدوه(١) ولا تزعجوه، فمهّدوه ونام، حتى مضى أكثر الليل، ثم استقلّ من نومه فانتبه وهو يغني تمام البيت:
  وبرغمي لو استطعت سبيلا(٢)
  وهو تمام البيت من حيث قطعه وسكت عليه من صوته(٢).
  / قال: فجعل إبراهيم يتعجّب منه، ويعجب منه من حضره، من جودة طبعه وذكائه وصحّة فهمه.
  محمد بن الحسن بن مصعب يسأل إسحاق عنه وعن إبراهيم بن المهدي: أيهما أحذق غناء
  حدثنا يحيى بن عليّ بن يحيى المنجّم، قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، قال: قال محمد بن الحسن بن مصعب:
  قلت لإسحاق يوما: أسألك باللَّه إلَّا صدقتني في مخارق وإبراهيم بن المهديّ، أيهما أحذق وأحسن غناء؟
  فقال لي إسحاق: أجادّ أنت؟ واللَّه ما تقاربا قطَّ، والدّليل على فضل مخارق عليه أنّ إبراهيم لا يؤدّي صوتا قديما ثقيلا جيّدا أبدا ولا يستوفيه، وإنما يغنّي الأهزاج والغناء الخفيف، وأمّا الذي فيه عمل شديد فلا يصيبه.
  طلب منه سعيد بن سلم الغناء في شعر ضعيف
  أخبرني يحيى، قال: حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ، قال: حدثني بعض ولد سعيد بن سلم، قال:
  دخل مخارق على سعيد بن سلم فسأله حاجة، فلما خرج قيل له: أما تعرف هذا؟ هذا مخارق، فقال:
  ويحكم! دخل ولم نعرفه، وخرج ولم نعرفه، ردّوه، فردّوه، فقال له: دخلت علينا ولم نعرفك، فلمّا عرفناك(٣) أحببنا ألَّا تخرج حتى نسمعك، فقال له: أيّ شيء تشتهي أن أسمعك؟ فقال:
  يا ريح ما تصنعين بالدّمن(٤) ... كم لك من محو منظر حسن!
  فغنّاه مخارق، فلمّا خرج قال لبعض بنيه: أبوكم هذا نكس(٥) يتشهّى على مثلي:
  يا ريح ما تصنعين بالدّمن
  / أخبرنا يحيى بن عليّ، قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، قال: حدّثني عمّي محمد، قال:
  سمعت أبي يقول وقد غنّى مخارق: نعم الفسيلة(٦) غرس إبليس في الأرض.
(١) مهدوء: مكنوه من النوم.
(٢ - ٢) التكملة من ف.
(٣) ف: «عرفنا».
(٤) الدمن جمع دمنة، وهي آثار الدار.
(٥) النكس: الضعيف الذي لا خير فيه.
(٦) الفسيلة: جزء من النبات يفصل عنه ويغرس، أو النخلة الصغيرة تقطع من الأم أو تقلع من الأرض فتغرس.