ذكر مخارق وأخباره
  حدّثني هارون بن مخارق عن أبيه: أنّ المأمون سأله لما قدم مكة عن أحدث صوت صنعه، فغنّاه:
  صوت
  أقبلت تحصب الجمار وأقبل ... ت لرمي الجمار من عرفات
  ليتني كنت في الجمار أنا المح ... صوب(١) من كفّ زينب حصيات
  الشّعر للنّميريّ، والغناء لمخارق خفيف رمل بالبنصر، قال: فضحك، ثمّ قال: لعمري إن هذا لأحدث ما صنعت، ولقد قنعت بيسير، وما أظنّ بهار كانت تبخل عليك بأن تحصبك بحصاة كما تحصب الجمار. واستعاده الصوت مرّات.
  غنى بشعر للمأمون في جارية له فأبكاه
  أخبرني جعفر بن قدامة قال:
  حدّثني هارون بن مخارق، قال: حدثني أبي، قال: كنّا عند المأمون يوما، فجاءه الخادم الحرميّ فأسرّ إليه شيئا، فوثب فدخل معه، ثمّ أبطأ علينا ساعة وعاود وعينه تذرف، فقال لنا: دخلت الساعة إلى جارية لي كنت أتحظَّاها، فوجدتها / في الموت، فسلَّمت عليها فلم تستطع ردّ السّلام إلا إيماء بإصبعها، فقلت هذين البيتين:
  سلام على من لم يطق عند بينه ... سلاما، فأومى بالبنان المخضّب
  فما اسطعت توديعا له بسوى البكا ... وذلك جهد المستهام المعذّب
  ثمّ قال: غنّ فيها يا مخارق، ففعلت، فما استعادني ذلك الغناء قطَّ إلا بكى.
  حج رجل معه وغناه صوتا فوهب له حجته
  أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ إجازة، قال: حدّثني أحمد بن أبي العلاء، قال: حدّثني أبي، قال:
  حجّ رجل مع مخارق، فلما قضيا الحجّ وعادا، قال له الرّجل في بعض طريقه: بحقّي عليك غنّني صوتا، فغنّاه:
  رحلنا فشرّقنا وراحوا فغرّبوا ... ففاضت لروعات الفراق عيون
  فرفع الرجل يده إلى السماء وقال: اللهمّ إني أشهدك أنّي قد وهبت(٢) حجّتي له.
  وفاته
  وتوفّي مخارق في أوّل خلافة المتوكَّل، وقيل: بل في آخر خلافة الواثق، وذكر ابن خرداذبه أن سبب وفاته أنه كان أكل قنّبيطيّة باردة فقتلته من فوره(٣).
(١) ف:
«ليتني في الجمار كنت أنا المحصوب»
(٢) ف: «وجهت حجتي له».
(٣) ف: «فقتلته من يومه».