ذكر مخارق وأخباره
  وجدت بخطَّ عبد اللَّه بن الحسين: حدثني الحسن بن إبراهيم بن رياح، قالا:
  كان مخارق يهوى جارية لأم جعفر يقال لها بهار(١)، ويستر ذلك عن أمّ جعفر، حتى بلغها ذلك، فأقصته ومنعته من المرور ببابها، وكان بها كلفا. قال الصّوليّ في خبره: فلما علم أن الخبر قد بلغ أمّ جعفر قطعها وتجافاها؛ إجلالا لأم جعفر، وطمعا في السلوّ عنها، وضاق ذرعه بذلك، فبينا / هو ذات ليلة في زلَّال(٢)، وقد انصرف من دار المأمون، وأمّ جعفر تشرب على دجلة، إذ حاذى دارها، فرأى الشمع يزهر فيها، فلما صار بمسمع منها ومرأى اندفع فغنّى:
  صوت
  إن تمنعوني ممرّي قرب دارهم ... فسوف أنظر من بعد إلى الدّار
  سيما الهوى شهرت حتى عرفت بها ... أنّي محبّ وما بالحبّ من عار
  ما ضرّ جيرانكم - واللَّه يصلحهم ... لولا شقائي - إقبالي وإدباري
  لا يقدرون على منعي ولو جهدوا ... إذا مررت وتسليمي بإضماري
  الشعر للعباس بن الأحنف، والغناء لمخارق رمل بالوسطى.
  فقالت أمّ جعفر: مخارق واللَّه، ردّوه، فصاحوا بملَّاحه: قدّم، فقدّم، وأمره الخدم بالصّعود، فصعد، وأمرت له أمّ جعفر بكرسيّ وصينيّة فيها نبيذ، فشرب، وخلعت عليه، وأمرت الجواري فغنّين، ثمّ ضربن عليه فغنّى فكان أوّل ما غنّى:
  صوت
  أغيب عنك بودّ ما يغيّره ... نأي المحلّ ولا صرف من الزمن
  فإن أعش فلعلّ الدّهر يجمعنا ... وإن أمت فقتيل الهمّ والحزن
  قد حسّن اللَّه في عينيّ ما صنعت ... حتّى أرى حسنا ما ليس بالحسن
  الشّعر للعبّاس بن الأحنف، والغناء لمخارق رمل.
  / قال: فاندفعت بهار فغنّت كأنها تباينه، وإنما أجابته عن معنى ما عرّض لها به:
  تعتلّ بالشّغل عنا ما تلمّ بنا ... والشّغل للقلب ليس الشّغل للبدن
  ففطنت أمّ جعفر أنها خاطبته في نفسها، فضحكت وقالت: ما سمعنا بأملح ممّا صنعتما، وقال إسماعيل بن يونس في خبره: ووهبتها له.
  غنّى المأمون حين قدم مكة أحدث صوت صنعه
  وقال هارون بن الزّيات:
(١) ف، س: «نهار».
(٢) زلال: شبه قارب يسير في النهر.