كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار زهير بن جناب ونسبه

صفحة 18 - الجزء 19

  هائل إن أصابنا دون أهلنا هلكنا، فقال: انعتيه لي، فقالت: أراه منبطحا مسلنطحا⁣(⁣١)، قد ضاق ذرعا وركب ردعا⁣(⁣٢)، ذا هيدب⁣(⁣٣) يطير، وهماهم⁣(⁣٤) وزفير، ينهض نهض الطير الكسير، عليه مثل شباريق⁣(⁣٥) السّاج، في ظلمة اللَّيل الدّاج، يتضاحك مثل شعل النيران، تهرب منه الطير، وتوائل⁣(⁣٦) منه الحشرة. قال: أي بنية، وائلي منه إلى عصر⁣(⁣٧) قبل أن لا عين ولا أثر.

  كان يدعى الكاهن لصحة رأيه

  أخبرني محمد بن القاسم الأنباريّ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني أحمد بن عبيد، عن ابن الكلبيّ، عن أبيه، عن مشيخة من الكلبيّين قالوا:

  عاش زهير بن جناب بن هبل بن عبد اللَّه خمسين ومائتي سنة أوقع فيها مائتي وقعة في العرب، ولم تجتمع قضاعة إلا عليه وعلى حنّ بن زيد العذريّ، ولم يكن في اليمن أشجع ولا أخطب ولا أوجه عند الملوك من زهير.

  وكان يدعى الكاهن، لصحّة رأيه.

  عمرّ حتى ملّ عمره، وشعره في ذلك

  قال هشام: ذكر حمّاد الرّاوية أنّ زهيرا عاش أربعمائة وخمسين سنة، قال: / وقال الشّرقيّ بن القطاميّ:

  عاش زهير أربعمائة سنة، فرأته ابنة له فقالت لابن ابنها: خذ بيد جدّك، فقال له: من أنت؟ فقال: فلان بن فلان بن فلانة، فأنشأ يقول:

  أبنيّ إن أهلك فقد ... أورثتكم مجدا بنيّه

  وتركتكم أبناء سا ... دات زنادكم وريّه⁣(⁣٨)

  ولكلّ ما نال الفتى ... قد نلته إلا التّحيّه⁣(⁣٩)

  والموت خير للفتى ... فليهلكن وبه بقيّه

  من أن يرى الشّيخ البجا ... ل وقد تهادى بالعشيّه⁣(⁣١٠)

  ولقد شهدت النّار للأس ... لاف توقد في طميّه⁣(⁣١١)


(١) ف: «أراه مسطحا مسلنطحا متبطحا». والمسلنطح: الواقع على وجهه.

(٢) ركب ردعا: سقط وكأنه وقع على عنقه.

(٣) الهيدب: السحاب الداني.

(٤) الهماهم: جمع همهمة، وهي ترديد الزفير.

(٥) الشباريق: القطع.

(٦) توائل منه: تطلب النجاة.

(٧) عصر - بكسر أوله وسكون ثانيه - ورواه بعضهم بالتحريك، والأول أشهر وأكثر: هو كل ما يتحصن به.

(٨) في أمالي المرتضى ١: ٢٤٠: «وتركتكم أرباب سادات». زنادكم ورية: كني بذلك عن بلوغ مأربهم.

(٩) التحية: الملك أو البقاء.

(١٠) البجال: الَّذي يبجله قومه. وفي الشعر والشعراء:

«من أن يرى الشيخ الكبير»

(١١) في معجم ياقوت: طمية: جبل في طريق مكة، وروى البيت فيه:

ولقد شهدت النار بالأنفار توقد في طميّه