نسب مسلم بن الوليد وأخباره
  يقري السّيوف نفوس النّاكثين به ... ويجعل الرّوس تيجان القنا الذّبل
  لا يعبق الطَّيب خدّيه ومفرقه ... ولا يمسّح عينيه من الكحل
  إذا انتضى سيفه كانت مسالكه ... مسالك الموت في الأجسام والقلل(١)
  وإن خلت بحديث النّفس فكرته ... عاش الرّجاء ومات الخوف من وجل(٢)
  كاللَّيث إن هجته فالموت راحته ... لا يستريح إلى الأيّام والدّول
  للَّه من هاشم في أرضه جبل ... وأنت وابنك ركنا ذلك الجبل
  صدّقت ظنّي وصدّقت الظَّنون به ... وحطَّ جودك عقد الرّحل عن جملي(٣)
  قال: فأخذت منها بيتين، ثم قلت له: أنشدني أيضا ما لك فيه، فأنشدني قصيدة أخرى ابتداؤها:
  /
  طيف الخيال حمدنا منك إلماما ... داويت سقما وقد هيّجت أسقاما
  يقول فيها:
  كالدّهر لا ينثني عمّا يهمّ به ... قد أوسع النّاس إنعاما وإرغاما
  قال: فأنشدت هذه الأبيات يزيد بن مزيد، فأمر له بخمسمائة درهم. ثم ذكرته بالرّقّة فقلت له: هذا الشّاعر الَّذي قد مدحك فأحسن، تقتصر به على خمسمائة درهم! فبعث إليه بخمسمائة درهم أخرى، قال: فقال لي مسلم:
  جاءتني وقد رهنت طيلساني على رؤوس الإخوان(٤)، فوقعت منّي أحسن موقع.
  تضمخ يزيد بالطيب ثم غسله لئلا يكذب قول مسلم
  أخبرني محمد بن عمران، قال: حدّثنا العنزيّ، عن محمد بن بدر العجليّ، عن إبراهيم بن سالم، عن أبي فرعون مولى يزيد بن مزيد قال:
  ركب يزيد يوما إلى الرّشيد فتغلَّف بغالية(٥)، ثم لم يلبث أن عاد فدعا بطست فغسل الغالية، وقال: كرهت أن أكذّب قول مسلم بن الوليد:
  لا يعبق الطَّيب خدّيه ومفرقه ... ولا يمسّح عينيه من الكحل
  يشير على يزيد بن مزيد بإحراق كتاب وصله
  أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدّثني عبد اللَّه بن أبي سعد، قال: حدّثني أبو توبة، قال:
  كان مسلم بن الوليد جالسا بين يدي يزيد بن مزيد فأتاه كتاب فيه مهمّ له، فقرأه سرّا ووضعه، ثم أعاد قراءته ووضعه، ثم أراد القيام، فقال له مسلم بن الوليد:
(١) في الديوان - ١٤: «في الأبدان والقلل».
(٢) في الديوان - ٢٤: «حيي الرجاء»، وفي المستجاد - ١٠١:
... بحديث النفس نظرته»
وجاء في الشرح: «إذا خلت بحديث النفس فكرته فإنه يفكر في بذل العطايا للناس فيموت خوفهم للفقر عند ذلك».
(٣) في ف: «وحل جودك»، والمثبت من ما، مج، والديوان - ٢٣، وجاء في الشرح: «صدّقت ظني وظن من علم إقبالي إليك، وأغنيتني عن السفر فلا أحتاج إلى أن أسافر بعدها أبدا».
(٤) ف: «على رؤوس لإخواني».
(٥) تغلف بغالية: تطيب بالطيب.