أخبار محمد بن وهيب
  ولا تقول في باقي دهرك غير هذا لما احتجت إلى القول، وأمر له بخمسة آلاف دينار فأحضرت واقتطعه إلى نفسه، فلم يزل في جنبته(١) أيّام ولايته وبعد ذلك إلى أن مات ما تصدّى لغيره.
  تردد على علي بن هشام فحجبه فهجاه هجاء موجعا
  حدّثني أحمد بن جعفر جحظة، قال: حدثني ميمون بن هارون، قال:
  كان / محمد بن وهيب الحميريّ الشاعر قد مدح عليّ بن هشام وتردّد إليه وإلى بابه دفعات، فحجبه ولقيه يوما، فعرض له في طريقه وسلَّم عليه، فلم يرفع إليه طرفه، وكان فيه تيه شديد، فكتب إليه رقعة يعاتبه فيها، فلما وصلت إليه خرّقها وقال: أيّ شيء يريد هذا الثقيل السّيّئ الأدب؟ فقيل له ذلك فانصرف مغضبا وقال: واللَّه ما أردت ماله وإنما أردت التوسّل بجاهه سيغني اللَّه جل وعز عنه، أما واللَّه ليذمّنّ مغبّة فعله. وقال يهجوه:
  أزرت بجود عليّ خيفة العدم(٢) ... فصدّ منهزما عن شأو ذي الهمم
  لو كان من فارس في بيت مكرمة ... أو كان من ولد الأملاك في العجم
  أو كان أوله أهل البطاح أو الرّ ... كب الملبّنون إهلالا إلى الحرم
  أيام تتّخذ الأصنام آلهة ... فلا ترى عاكفا إلا على صنم
  لشجّعته على فعل الملوك لهم ... طبائع لم ترعها خيفة العدم
  / لم تند كفّاك(٣) من بذل النّوال كما ... لم يند سيفك مذ قلَّدته بدم
  كنت امرأ رفعته فتنة فعلا ... أيامها غادرا بالعهد والذّمم
  حتى إذا انكشفت عنّا عمايتها(٤) ... ورتّب النّاس بالأحساب والقدم
  مات التّخلَّق وارتدّتك مرتجعا ... طبيعة نذلة الأخلاق والشّيم
  كذاك من كان لا رأسا ولا ذنبا ... كزّ(٥) اليدين حديث العهد بالنّعم
  هيهات ليس بحمّال الدّيات ولا ... معطي الجزيل ولا المرهوب ذي النّقم
  قال: فحدّثني بعض بني هاشم أنّ هذه الأبيات لمّا بلغت عليّ بن هشام ندم على ما كان منه، وجزع لها وقال: لعن اللَّه اللَّجاج فإنه شرّ خلق تخلَّقه الناس، ثم أقبل على أخيه الخليل بن هشام فقال: اللَّه يعلم أني لا أدخل على الخليفة وعليّ السيف إلا وأنا مستح منه، أذكر قول ابن وهيب فيّ:
  لم تند كفّاك من بذل النّوال كما ... لم يند سيفك مذ قلَّدته بدم
  حدثني محمد بن يحيى الصّوليّ، قال: حدثني ميمون(٦) بن هارون، قال: من سمع ابن الأعرابيّ، يقول:
(١) جنبته: ناجيته.
(٢) ف:
«أزردت عليه بجود خيفة العدم»
(٣) في المختار:
«لم تند كفك»
(٤) في المختار، مي، ب: «غيابتها».
(٥) في معاهد التنصيص ١: ٢٢٤: «كد اليدين».
(٦) ف: «محمد بن هارون».