كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار مزاحم ونسبه

صفحة 72 - الجزء 19

  واشتدّوا عليه، فكان يتفلَّت إليها في أوقات الغفلات، فيتحدّثان ويتشاكيان، ثم انتجعت بنو قشير في ربيع لهم ناحية غير تلك قد نضّرها غيث وأخصبها، فبعد عليه خبرها واشناقها، فكان يسأل عنها كلّ وارد، ويرسل إليها بالسلام مع كل صادر، حتى ورد عليه يوما راكب من قومها، فسأله عنها فأخبره أنها خطبت فزوّجت، فوجم طويلا ثم أجهش باكيا وقال:

  أتاني بظهر الغيب أن قد تزوّجت ... فظلَّت بي الأرض الفضاء تدور

  وذكر الأبيات الماضية.

  / وقد أنشدني هذه القصيدة لمزاحم ابن أبي الأزهر، عن حمّاد / عن أبيه، فأتى بهذه الأبيات وزاد فيها:

  وتنشر نفسي بعد موتي بذكرها ... مرارا فموت مرّة ونشور

  عججت لربي عجّة⁣(⁣١) ما ملكتها ... وربّي بذي الشّوق الحزين بصير

  ليرحم ما ألقى ويعلم أنّني ... له بالذي يسدي إليّ شكور

  لئن كان يهدى برد أنيابها العلا ... لأحوج منّي إنّني لفقير

  الفرزدق وجرير وذو الرمة يفضلونه على أنفسهم

  حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبو أيوب المدينيّ، قال: قال أبو عدنان:

  أخبرنا تميم بن رافع قال: حدّثت أنّ الفرزدق دخل على عبد الملك بن مروان - أو بعض بنيه - فقال له:

  يا فرزدق، أتعرف أحدا أشعر منك؟ قال: لا، إلا غلاما من بني عقيل، يركب أعجاز الإبل وينعت الفلوات فيجيد، ثم جاءه جرير فسأله عن مثل ما سأل عنه الفرزدق فأجابه بجوابه، فلم يلبث أن جاءه ذو الرّمة فقال له: أنت أشعر النّاس؟ قال: لا، ولكن غلام من بني عقيل يقال له مزاحم يسكن الرّوضات؟ يقول وحشيّا من الشعر لا يقدر على مثله، فقال: فأنشدني بعض ما تحفظ من ذلك، فأنشده قوله:

  خليليّ عوجا بي على الدار نسأل ... متى عهدها بالظَّاعن المترحّل⁣(⁣٢)

  فعجت وعاجوا فوق بيداء موّرت⁣(⁣٣) ... بها الريح جولان التراب المنخّل

  حتى أتى على آخرها ثم قال: ما أعرف أحدا يقول قولا يواصل هذا.

  صوت

  أكذّب طرفي عنك في كلّ ما أرى ... وأسمع أذني منك ما ليس تسمع

  فلا كبدي تبلى ولا لك رحمة ... ولا عنك إقصار ولا فيك مطمع

  لقيت أمورا فيك لم ألق مثلها ... وأعظم منها فيك ما أتوقع

  فلا تسأليني في هواك زيادة ... فأيسره يجزي وأدناه يقنع

  الشعر لبكر بن النّطَّاح، والغناء لحسين بن محرز ثقيل أول بالوسطى عن الهشاميّ.


(١) عج الرجل: صاح ورفع صوته، وفي ف: حججت لربي حجة.

(٢) في الخزانة ٣: ٤٥:

«بالظاعن المتحمل»

(٣) مي، مد: «صفقت»، وموّرت: أثارت.