أخبار بكر بن النطاح ونسبه
  فقلت له: أحسن واللَّه ما شاء ووجبت مكافأته، فقال: أما إذ رضيت فأعطوه عشرة آلاف درهم، فحملت إليه، وانصرفت إلى منزلي، فإذا أنا بعشرين ألفا قد سبقت إليّ، وجّه بها أبو دلف، قال: فقال عمارة لعليّ بن هشام: فقد قلت أنا في قريب من هذه القصّة:
  ولا عيب فيهم غير أنّ أكفّهم ... لأموالهم مثل السّنين الحواطم(١)
  وأنهم لا يورثون بذيهم ... - وإن ورثوا خيرا - كنوز الدّراهم
  رثى معقل بن عيسى
  أخبرني عمّي، قال: حدّثني عبد اللَّه بن أبي سعد، قال: حدّثني أبو توبة، قال:
  كان معقل بن عيسى صديقا لبكر بن النطَّاح، وكان بكر فاتكا صعلوكا، فكان لا يزال قد أحدث حادثة في عمل أبي دلف، أو جنى جناية، فيهمّ به فيقوم دونه معقل حتى يتخلَّصه، فمات معقل فقال بكر بن النطاح يرثيه بقوله:
  /
  وحدّث عنه بعض من قال إنّه ... رأت عينه فيما ترى عين حالم(٢)
  / كأنّ الَّذي يبكي على قبر معقل(٣) ... ولم يره يبكي على قبر حاتم
  ولا قبر كعب إذ يجود بنفسه ... ولا قبر حلف الجود قيس بن عاصم
  فأيقنت أنّ اللَّه فضّل معقلا ... على كل مذكور بفضل المكارم
  هجاه عباد بن الممزق لبخله
  أخبرني عمّي، قال: حدّثنا الكرانيّ، قال: حدّثني العمريّ، قال:
  كان بكر بن النّطاح الحنفيّ أبو وائل بخيلا، فدخل عليه عبّاد بن الممزّق يوما، فقدّم إليه خبزا يابسا قليلا بلا أدم، ورفعه من بين يديه قبل أن يشبع، فقال عبّاد يهجوه:
  من يشتري مني أبا وائل ... بكر بن نطَّاح بفلسين؟
  كأنما الآكل من خبزه ... يأكله من شحمة العين
  قال: وكان عبّاد هذا هجّاء ملعونا، وهو القائل:
  أنا الممزّق أعراض اللَّئام كما ... كان الممزّق أعراض اللَّئام أبي
  مدح مالك بن طوق ثم هجاه
  أخبرني عمّي، قال: حدّثنا أبو هفّان، قال:
  كان بكر بن النّطَّاح قصد مالك بن طوق فمدحه، فلم يرض ثوابه، فخرج من عنده وقال يهجوه:
  فليت جدا مالك كلَّه ... وما يرتجى منه من مطلب
  أصبت بأضعاف أضعافه ... ولم أنتجعه ولم أرغب
(١) حطمه: كسره، والسنون الحواطم: المهلكة.
(٢) ف، المختار:
وحدثني عن بعض من قال إنه ... رأت عينه فيما ترى عين نائم
(٣) المختار:
«كأن الندى يبكي على قبر معقل»