كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار بكر بن النطاح ونسبه

صفحة 78 - الجزء 19

  أسأت اختياري منك الثّواب⁣(⁣١) ... لي الذّنب جهلا ولم تذنب

  / وكتبها في رقعة وبعث بها إليه، فلما قرأها وجّه جماعة من أصحابه في طلبه، وقال لهم: الويل لكم إن فاتكم بكر بن النّطَّاح.

  اعتذر إليه وأعطاه فمدحه

  ولا بد أن تنكفئوا على أثره⁣(⁣٢) ولو صار إلى الجبل، فلحقوه فردّوه إليه، فلما دخل داره ونظر إليه قام فتلقاه وقال: يا أخي، عجلت علينا وما كنّا نقتصر بك على ما سلف وإنما بعثنا إليك بنفقة، وعوّلنا بك على ما يتلوها، واعتذر كلّ واحد منهما إلى صاحبه، ثم أعطاه حتى أرضاه، فقال بكر بن النّطَّاح يمدحه:

  أقول لمرتاد ندى غير مالك ... كفى بذل هذا الخلق بعض عداته

  فتى جاد بالأموال في كلّ جانب ... وأنهبها⁣(⁣٣) في عوده وبدأته

  فلو خذلت أمواله بذل⁣(⁣٤) كفّه ... لقاسم من يرجوه شطر حياته

  ولو لم يجد في العمر قسمة ماله⁣(⁣٥) ... وجاز له الإعطاء من حسناته

  لجاد بها من غير كفر بربّه ... وشاركهم في صومه وصلاته

  فوصله صلة ثانية لهذه الأبيات، وانصرف عنه راضيا.

  هكذا ذكر أبو هفّان في خبره وأحسبه غلطا، لأن أكثر مدائح بكر بن النّطَّاح في مالك بن عليّ الخزاعيّ - وكان يتولَّى طريق خراسان - وصار إليه بكر بن النّطاح بعد وفاة أبي دلف ومدحه، فأحسن تقبّله وجعله في جنده، وأسنى له الرّزق، فكان معه، إلى أن قتله الشّراة بحلوان، فرثاه بكر بعدّة قصائد هي من غرر شعره وعيونه.

  كان مع مالك الخزاعي يوم أن قتل فرثاه

  فحدّثني عمّي، قال: حدّثني أحمد بن أبي طاهر، عن أبي وائلة السّدوسيّ، قال:

  عاثت الشّراة بالجبل عيثا شديدا، وقتلوا الرجال والنساء والصّبيان، / فخرج إليهم مالك بن عليّ الخزاعيّ وقد وردوا حلوان، فقاتلهم قتالا شديدا فهزمهم عنها، وما زال يتبعهم حتى بلغ بهم قرية يقال لها: حدّان⁣(⁣٦)، فقاتلوه عندها قتالا شديدا، وثبت الفريقان إلى الليل حتى حجز بينهم، وأصابت مالكا ضربة على رأسه أثبتته⁣(⁣٧)، وعلم أنه ميّت، فأمر بردّه إلى حلوان، فما بلغها حتى مات، فدفن على باب حلوان، وبنيت لقبره قبّة على قارعة الطريق، وكان معه بكر بن النّطَّاح يومئذ، فأبلى بلاء حسنا، وقال بكر يرثيه:


(١) ب:

«أسأت اختياري فنلت النوى»

(٢) مي: «ولا بد أن تبلغوا في أثره».

(٣) فوات الوفيات ١: ٧٩: «وأوهبها».

(٤) فوات الوفيات: «جود كفه».

(٥) فوات الوفيات: «قسمة باذل».

(٦) حدّان - بالضم -: إحدى محالّ البصرة القديمة. وفي ف: «حيداد».

(٧) أثبتته: جعلته ثابتا في مكانه لا يفارقه.