كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر أشعب وأخباره

صفحة 98 - الجزء 19

  / ولَّى المنصور زياد بن عبد اللَّه الحارثيّ مكة والمدينة، قال أشعب: فلقيته بالجحفة⁣(⁣١) فسلَّمت عليه، قال:

  فحضر الغداء، وأهدي إليه جدّي فطبخه مضيرة، وحشيت القبة⁣(⁣٢) قال: فأكلت أكلا أتملَّح به، وأنا أعرف صاحبي، ثم أتي بالقبّة، فشققتها، فصاح الطبّاخ: إنا للَّه! شقّ القبة، قال: فانقطعت، فلما فرغت قال: يا أشعب! هذا رمضان قد حضر، ولا بدّ أن تصلي بأهل السجن، قلت: واللَّه ما أحفظ من كتاب اللَّه إلا ما أقيم به صلاتي، قال: لا بدّ منه، قال: قلت: أو لا آكل جديا مضيرة؟ قال: وما أصنع به وهو في بطنك؟ قال: قلت: الطَّريق بعيد أريد أن أرجع إلى المدينة، قال: يا غلام، هات ريشة ذنب ديك - قال أشعب: والجحفة أطول بلاد اللَّه ريشة ذنب ديك - قال:

  فأدخلت في حلقي فتقيّأت ما أكلت، ثم قال لي: ما رأيك؟ قال: قلت: لا أقيم ببلدة يصاح فيها: شقّ القبة، قال:

  لك وظيفة على السلطان وأكره أن أكسرها عليك، فقل ولا تشطط قال: قلت: نصف درهم كراء حمار يبلَّغني المدينة، قال: أنصفت وأعطانيه.

  من طرائف أشعب

  أخبرنا أحمد، قال: حدّثنا محمد بن القاسم، قال: أخبرني أبو مسلم، عن المدائنيّ، قال:

  أتي أشعب بفالوذجة عند بعض الولادة، فأكل منها، فقيل له: كيف تراها يا أشعب؟ قال: امرأته طالق إن لم تكن عملت قبل أن يوحي اللَّه ø إلى النحل.

  أخبرنا أحمد، قال: حدّثنا محمد بن القاسم، قال: حدّثنا عبد اللَّه بن شعيب الزّبيريّ⁣(⁣٣)، عن عمّه. قال أبو بكر: وحدّثني ابن أبي سعد، قال: حدّثني عبد اللَّه بن شعيب⁣(⁣٣) وهو أتمّ من هذا وأكثر كلاما، قال:

  / جاء / أشعب إلى أبي بكر بن يحيى من آل الزبير، فشكا إليه، فأمر له بصاع من تمر، وكانت حال أشعب رثّة، فقال له أبو بكر بن يحيى: ويحك يا أشعب! أنت في سنّك وشهرتك تجيء في هذه الحال فتضع نفسك فتعطي مثل هذا؟ اذهب فادخل الحمام فاخضب لحيتك، قال أشعب: ففعلت، ثم جئته فألبسني ثياب صوف له وقال: اذهب الآن فاطلب، قال: فذهبت إلى هشام بن الوليد صاحب البغلة من آل أبي ربيعة، وكان رجلا شريفا موسرا، فشكا إليه فأمر له بعشرين دينارا، فقبضها أشعب وخرج إلى المسجد، وطفق كلما جلس في حلقة يقول:

  أبو بكر بن يحيى، جزاه اللَّه عني خيرا، أعرف الناس بمسألة، فعل بي وفعل، فيقص قصته، فبلغ ذلك أبا بكر فقال: يا عدوّ نفسه! فضحتني في الناس، أفكان هذا جزائي!.

  أخبرنا أحمد، قال: قال: حدّثني محمد بن القاسم، قال: أخبرني محمد بن الحسين بن عبد الحميد، قال:

  حدّثني شيخ أنه نظر إلى أشعب بموضع يقال له الفرع⁣(⁣٤) يبكي وقد خضب بالحناء، فقالوا: يا شيخ ما يبكيك؟ قال: لغربة هذا الجناح، وكان على دار واحدة ليس بالفرع غيره.

  أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: أخبرني محمد بن الحسين، قال: حدّثني أبي، قال:


(١) الجحفة: قرية كبيرة على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل. وفي ب: «بالمحفة» تحريف.

(٢) القبة: هنة ذات أطباق متصلة بالكرش.

(٣) ف: «عبد اللَّه بن مصعب الزبيري».

(٤) الفرع: قرية من نواحي الربذة بينها وبين المدينة ثمانية برد على طريق مكة.