كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عويف ونسبه

صفحة 126 - الجزء 19

  سأكذب من قد كان يزعم أنّني ... إذا قلت شعرا⁣(⁣١) لا أجيد القوافيا

  فسمّي عويف القوافي.

  قصته مع عبد الملك بن مروان

  أخبرنا محمد بن خلف وكيع، قال: حدّثني أحمد⁣(⁣٢) بن إسحاق، عن أبيه، قال: حدّثني عزيز بن طلحة بن عبد اللَّه بن عثمان بن الأرقم المخزوميّ، قال: حدّثني غير واحد من مشيخة قريش، قالوا:

  لم يكن رجل من ولاة أولاد عبد الملك بن مروان كان أنفس على قومه، ولا أحسد / لهم من الوليد بن عبد الملك. فأذن يوما للنّاس فدخلوا عليه؛ وأذن للشّعراء، فكان أوّل من بدر بين يديه عويف القوافي الفزاريّ، فاستأذنه في الإنشاد فقال: ما بقّيت لي بعد ما قلت لأخي بني زهرة! قال: وما قلت له مع ما قلت لأمير المؤمنين؟

  قال: ألست الَّذي تقول:

  يا طلح أنت أخو النّدى وحليفه ... إنّ النّدى من بعد طلحة ماتا

  إنّ الفعال إليك أطلق رحله ... فبحيث بتّ من المنازل باتا

  أو لست الَّذي تقول:

  إذا ما جاء يومك يا بن عوف ... فلا مطرت على الأرض السّماء

  ولا سار البشير⁣(⁣٣) بغنم جيش ... ولا حملت على الطَّهر النّساء

  تساقى الناس بعدك يا بن عوف ... ذريع الموت ليس له شفاء

  ألم تقم علينا السّاعة يوم قامت عليه؟ لا واللَّه لا أسمع منك شيئا، ولا أنفعك بنافعة أبدا، أخرجوه عنّي.

  قصته مع طلحة أخي بني زهرة

  فلما أخرج قال له القرشيّون والشاميّون: وما الَّذي أعطاك طلحة حين استخرج هذا منك؟ قال: أما واللَّه لقد أعطاني غيره أكثر من عطيّته، ولكن لا واللَّه ما أعطاني أحد قطَّ أحلى في قلبي ولا أبقى شكرا ولا أجدر ألَّا أنساها ما عرفت الصّلات من عطيّته، قالوا: وما أعطاك؟ قال: قدمت المدينة ومعي بضيّعة⁣(⁣٤) لي لا تبلغ عشرة دنانير، أريد أن أبتاع قعودا من قعدان الصّدقة، فإذا برجل في صحن السّوق على طنفسة⁣(⁣٥) قد طرحت له، وإذا النّاس حوله، وإذا بين يديه إبل معلوفة⁣(⁣٦) له، فظننت / أنه عامل السّوق، فسلَّمت عليه، فأثبتني وجهلته، فقلت: أي رحمك اللَّه، هل أنت معيني ببصرك على قعود من هذه القعدان تبتاعه لي؟ فقال: نعم، أو معك ثمنه؟ فقلت: نعم، فأهوى بيده إليّ فأعطيته بضيّعتي، فرفع طنفسته وألقاها تحتها، ومكث طويلا، ثم قمت إليه فقلت: أي رحمك اللَّه، انظر في حاجتي فقال: ما منعني منك إلا النّسيان، أمعك حبل؟ قلت: نعم، قال: هكذا أفرجوا، فأفرجوا عنه حتى استقبل


(١) ف:

«إذا قلت قولا»

(٢) ف: «حماد بن إسحاق».

(٣) ف، التجريد، مد: «العزيز».

(٤) بضيعة: تصغير بضاعة، وهي مقدار من المال، يعد للتجارة.

(٥) الطنفسة: البساط.

(٦) مي، المختار: «معقولة».