أخبار عبد الله بن العباس الربيعي
  وهل ترك لنا أحدا يؤذينا بفراقه؟ وتطيّر من ذلك، فما فرغ من كلامه حتى دخل رسولها يعلمه / أنها / قد قدمت منذ ثلاثة أيام، وأنها قد جاءته زائرة على إثر رسولها، فقال في ذلك من وقته:
  سقاك اللَّه يا هد ... هد وسميّا من القطر
  كما بشّرت بالوصل ... وما أنذرت بالهجر
  فكم ذا لك من بشرى ... أتتني منك في ستر
  كما جاءت سليمان ... فأوفت منه بالنّذر
  ولا زال غراب الب ... ين في قفّاعة(١) الأسر
  كما صرّح بالبين ... وما كنت به أدري
  ولحنه في هذا الشّعر هزج.
  غنى للمتوكل لحنا لم يعجبه فذكره بألحان له سابقة
  حدّثني عمّي، قال: حدّثني ميمون بن هارون، قال: قال إسحاق بن إبراهيم بن مصعب:
  قال لي عبد اللَّه بن العبّاس الربيعيّ: لمّا صنعت لحني في شعري:
  ألا اصبحاني يوم السّعانين ... من قهوة عتّقت بكركين(٢)
  عند أناس قلبي بهم كلف ... وإن تولَّوا دينا سوى ديني
  قد زيّن الملك جعفر وحكى ... جود أبيه وبأس هارون
  وأمّن(٣) الخائف البريء كما ... أخاف أهل الإلحاد في الدّين
  دعاني المتوكَّل، فلما جلست في مجلس المنادمة غنّيت هذا الصّوت فقال لي: يا عبد اللَّه، أين غناؤك في هذا الشعر في أيّامي هذه من غنائك في:
  /
  أماطت كساء الخزّ عن حرّ وجهها ... وأدنت على الخدّين بردا مهلهلا
  ومن غنائك في:
  أقفر من بعد خلَّة سرف ... فالمنحنى فالعقيق فالجرف
  ومن سائر صنعتك المتقدّمة الَّتي استفرغت محاسنك فيها، فقلت له: يا أمير المؤمنين، إنّي كنت أتغنّى في هذه الأصوات ولي شباب وطرب وعشق، ولو ردّ عليّ لغنّيت مثل ذلك الغناء، فأمر لي بجائزة واستحسن قولي.
  غنى للمنتصر بشعر لم يطلبه منه فلم يصله بشيء
  حدّثني عمّي، قال: حدّثنا أحمد بن المرزبان، قال: حدّثني أبي، قال:
  ذكر المنتصر يوما عبد اللَّه بن العبّاس وهو في قراح(٤) النّرجس مصطبح، فأحضره وقال له: يا عبد اللَّه، اصنع
(١) القفاعة: شيء يتخذ من جريد النخل، ثم يرسل به على الصيد فيصاد.
(٢) كركين: من قرى بغداد (معجم ياقوت). وفي ب: «بكرين» وهو تحريف.
(٣) ف: «وآس الخائف».
(٤) القراح من كل شيء: الخالص.