كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار سلم الخاسر ونسبه

صفحة 184 - الجزء 19

  دخل الرّبيع على المهديّ وأبو عبيد اللَّه جالس يعرض كتبا، فقال له أبو عبيد اللَّه: مر هذا أن يتنحّى - يعني الربيع - فقال له المهدي: تنحّ، فقال: لا أفعل. فقال: كأنك تراني بالعين الأولى! فقال: لا، بل أراك بالعين الَّتي أنت بها. قال: فلم لا تتنحّى إذ أمرتك؟ فقال له: أنت ركن الإسلام، وقد قتلت ابن هذا، فلا آمن أن يكون معه حديدة يغتالك بها، فقام المهديّ مذعورا، وأمر بتفتيشه، فوجدوا بين جوربه وخفّه سكَّينا، فردّت الأمور كلَّها إلى الربيع، وعزل أبو عبيد اللَّه، وولَّي يعقوب بن داود، فقال سلم الخاسر فيه:

  يعقوب ينظر في الأمو ... ر وأنت تنظر ناحية

  أدخلته فعلا عل ... يك كذاك شؤم الناصيه

  قال: وكان بلغ المهديّ من جهة الربيع أن ابن أبي عبيد اللَّه زنديق، فقال له المهديّ: هذا حسد منك. فقال:

  افحص عن هذا، فإن كنت مبطلا بلغت منّي الَّذي يلزم من كذبك. فأتى بابن عبيد اللَّه، فقرّره تقريرا خفيّا، فأقرّ بذلك، فاستتابه، فأبى أن يتوب، فقال لأبيه: اقتله، فقال: لا تطيب نفسي بذلك. فقتله وصلبه على باب أبي عبيد اللَّه.

  / قال: وكان ابن أبي عبيد اللَّه هذا من أحمق الناس: وهب له المهديّ وصيفة، ثم سأله بعد ذلك عنها، فقال: ما وضعت بيني وبين الأرض حشيّة قطَّ أوطأ منها حاشا سامع⁣(⁣١)، فقال المهديّ لأبيه: أتراه يعنيني، أو يعنيك؟ قال: بل يعني أمّه الزانية، لا يكنى.

  شعره في الفضل بن الربيع حين أخذ البيعة للمهدي

  أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدّثني يحيى بن الحسن، قال: حدّثني أبي، قال:

  كنت أنا والربيع نسير قريبا من محمل المنصور حين⁣(⁣٢) قال للربيع: رأيت كأن الكعبة تصدّعت، وكأن رجلا جاء بحبل أسود فشدّدها، فقال له الربيع: من الرجل؟ فلم يجبه، حتى إذا اعتلّ قال للربيع: أنت الرجل الَّذي رأيته في نومي شدّد الكعبة! فأيّ شيء تعمل بعدي؟ قال: ما كنت أعمل في حياتك، فكان من أمره في أخذ البيعة للمهديّ ما كان، فقال سلم الخاسر في الفضل بن الربيع:

  يا بن⁣(⁣٣)

  الَّذي جبر الإسلام يوم وهي ... واستنقذ الناس من عمياء صيخود⁣(⁣٤)

  قالت قريش غداة أنهاض ملكهم: ... أين⁣(⁣٥) الربيع وأعطوا بالمقاليد

  فقام بالأمر مئناس بوحدته ... ماضي العزيمة ضرّاب القماحيد⁣(⁣٦)

  إن الأمور إذا ضاقت مسالكها ... حلَّت يد الفضل منها كلّ معقود


(١) كذا في الأصول: وقد تكون: سامع هذا.

(٢) في س: «حتى»، وهو تحريف.

(٣) كذا في المختار، وفي س: «وابن»، وما أثبتناه هو ما يقتضيه بدء الكلام.

(٤) الصيخود، هي في الأصل: الصخرة الشديدة، ويوم صيخود: شديد الحر. وصف بها الفتنة الشديدة العمياء الَّتي كان يمكن أن يتعرض لها الناس لولا صنيع الفضل.

(٥) كذا في س، ف. وفي مم: «يا بن الربيع».

(٦) القماحيد، جمع القمحدوة، كالقلنسوة. وهي: الهنة الناشزة فوق القفا وأعلى القذال. والقذال: ما بين الأذنين من مؤخر الرأس.

وجمع القحمدوة قماحد، فأشبع كسرة الحاء.