كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار سلم الخاسر ونسبه

صفحة 190 - الجزء 19

  فلما انتهى إلى قوله:

  إن المنايا في السيوف كوامن ... حتى يهيّجا فتى هيّاج

  فقال الرشيد: كان ذلك معن بن زائدة، فقال: صدق أمير المؤمنين، ثم أنشد حتى انتهى إلى قوله:

  ومدجّج يغشى المضيق بسيفه ... حتى يكون بسيفه الإفراج

  فقال الرشيد: ذلك يزيد بن مزيد، فقال: صدق أمير المؤمنين، فاغتاظ جعفر بن يحيى، وكان يزيد بن مزيد عدوّا للبرامكة، مصافيا للفضل بن الربيع، فلما انتهى إلى قوله:

  نزلت نجوم الليل فوق رؤوسهم ... ولكلّ قوم كوكب وهّاج

  قال له جعفر بن يحيى: من قلَّة الشعر حتى⁣(⁣١) تمدح أمير المؤمنين بشعر قيل في غيره! هذا لبشّار في فلان التميميّ، فقال الرشيد: ما تقول يا سلم؟ قال: صدق يا سيدي، وهل أنا إلا جزء من محاسن بشار، وهل أنطلق إلا بفضل منطقه! وحياتك يا سيدي إني لأروي له تسعة آلاف بيت ما يعرف أحد غيري منها شيئا، فضحك الرشيد، وقال: ما أحسن الصدق! امض في شعرك، وأمر له بمائة ألف درهم، ثم قال للفضل بن الربيع: هل قال أحد غير سلم في طيّنا المنازل شيئا؟ - وكان الرشيد قد انصرف من الحج، / وطوى المنازل.

  وصفه هو والنمري على الرشيد للمنازل

  فوصف ذلك سلم - فقال الفضل: نعم يا أمير المؤمنين، النّمريّ، فأمر سلما أن يثبت قائما حتى يفرغ النمريّ من إنشاده، فأنشده النّميريّ قوله:

  تخرّق سربال الشباب مع البرد ... وحالت لنا أمّ الوليد عن العهد

  فقال الرشيد للعباس بن محمد: أيّهما أشعر عندك يا عم؟ قال: كلاهما شاعر، ولو كان كلام يستفحل⁣(⁣٢) لجودته حتى يؤخذ منه نسل لاستفحلت كلام النّمريّ، فأمر له بمائة ألف درهم أخرى.

  رثاه أشجع السلمي

  أخبرني عمي، قال: أنشدني أحمد بن أبي طاهر لأشجع السّلميّ يرثي سلما الخاسر ومات سلم قبله:

  يا سلم إن أصبحت في حفرة ... موسّدا تربا وأحجارا

  فربّ بيت حسن قلته ... خلَّفته في الناس تيّارا

  قلَّدته ربّا وسيّرته ... فكان فخرا منك أو عارا

  لو نطق الشعر بكى بعده ... عليه إعلانا وإسرارا

  صوت

  يا ويح من لعب الهوى بحياته ... فأماته من قبل حين مماته

  من ذا كذا كان الشقي بشادن ... هاروت بين لسانه ولهاته


(١) في التجريد: «من قلة شعر يمدح».

(٢) في التجريد: «ولو كان الشعر يستفحل».