أخبار أبي صدقة
١٤ - أخبار أبي صدقة
، اسمه وولاؤه
اسمه مسكين بن صدقة من أهل المدينة، مولى لقريش. وكان مليح الغناء، طيّب الصوت، كثير الرواية، صالح الصنعة؛ من أكثر الناس نادرة، وأخفّهم روحا، وأشدّهم طمعا، وألحّهم في مسألة. وكان له ابن يقال له:
صدقة يغنّي، وليس من المعدودين، وابن ابنه أحمد بن صدقة الطَّنبوريّ - أحد المحسنين من الطَّنبوريين، وله صنعة جيدة، وكان أشبه الناس بجدّه في المزح والنوادر. وأخباره تذكر بعد أخبار جدّه. وأبو صدقة من المغنين الذين أقدمهم هارون الرشيد من الحجاز في أيامه.
يذكر أسباب كثرة سؤاله
أخبرني عليّ بن عبد العزيز، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، قال:
قيل لأبي صدقة ما أكثر سؤالك، وأشدّ إلحاحك! فقال: وما يمنعني من ذلك، واسمي مسكين، وكنيتي أبو صدقة، وامرأتي فاقة، وابني صدقة!.
يتغنى مع مغني الرشيد فيشتد طرب الرشيد لغنائه
أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلانيّ، قال: حدثنا يوسف بن إبراهيم، قال:
حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي أن الرشيد قال للحارث بن بسخنّر: قد اشتهيت أن أرى ندمائي ومن يحضر مجلسي من المغنين جميعا في مجلس واحد، يأكلون ويشربون، ويتبذّلون منبسطين على غير هيبة ولا احتشام، بل يفعلون ما يفعلون في منازلهم وعند نظرائهم، وهذا لا يتمّ إلا بأن أكون بحيث لا يرونني، عن غير علم منهم برؤيتي إياهم. فأعدّ لي مكانا أجلس فيه أنا وعمّي سليمان وإخوتي: إبراهيم بن المهديّ، / وعيسى بن جعفر (١)، وجعفر بن يحيى. فإنا مغلَّسون (٢) عليك غداة غد، واستزر أنت محمد بن خالد بن برمك، وخالدا أخا مهرويه، والخضر بن جبريل، وجميع المغنين، وأجلسهم بحيث نراهم ولا يروننا، وابسط الجميع، وأظهر برّهم، واخلع عليهم، ولا تدع من الإكرام شيئا إلا فعلته بهم. ففعل ذلك الحارث، وقدّم إليهم الطعام فأكلوا، والرشيد ينظر إليهم، ثم دعا لهم بالنبيذ. فشربوا، وأحضرت الخلع، وكان ذلك اليوم يوما شديد البرد، فخلع على ابن جامع جبة خزّ طارونيّ (٣) مبطنة بسمّور صينيّ، وخلع على إبراهيم الموصلي جبّة وشي كوفي مرتفع مبطنة بفنك (٤)، وخلع
(،) هذه الترجمة مما سقط من طبعة بولاق.
(١) ف: «إسماعيل بن جعفر».
(٢) مغلسون: قادمون بغلس، وهو ظلمة آخر الليل.
(٣) الطاروني: نوع من الخز.
(٤) الفنك، بالتحريك: دابة فروتها أطيب الفراء، والمراد بجلد فنك.