أخبار علي بن جبلة
  وردّ البيض والبيض ... إلى الأغماد والحجب(١)
  اهتز أبو تمام من فرقه(٢) إلى قدمه، ثم قال: أحسن، واللَّه لوددت أن لي هذا / البيت بثلاث / قصائد من شعري يتخيرها(٣) وينتخبها(٤) مكانه.
  طلب أن ينشد المأمون مدحا فيه ثم يختار الإقالة فرارا من شروط للمأمون:
  أخبرني عمي قال: حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال: حدّثني أبو نزار الضبيّ الشاعر قال:
  قال لي عليّ بن جبلة قلت لحميد بن عبد الحميد الطَّوسي: يا أبا غانم، إني قد مدحت أمير المؤمنين بمدح لا يحسن مثله أحد من أهل الأرض، فاذكرني له. قال: فأنشدني، فأنشدته. قال: أشهد أنك صادق، ما يحسن أحد أن يقول هكذا. وأخذ المديح فأدخله إلى المأمون، فقال له: يا حميد، الجواب في هذا واضح، إن شاء عفونا عنه وجعلنا ذلك ثوابا لمديحه، وإن شاء جمعنا بين شعره فيك وفي أبي دلف وبين شعره فينا، فإن كان الَّذي قاله فيكما أجود ضربنا ظهره، وأطلنا حبسه، وإن كان الَّذي قاله أجود أعطيناه لكل بيت ألف درهم، وإن شاء أقلناه فقلت له: يا سيدي ومن أنا ومن أبو دلف حتى يمدحنا بأجود من مديحك! فقال: ليس هذا الكلام من الجواب في شيء، فاعرض ما قلت لك على الرجل. فقال: أفعل. قال عليّ بن جبلة: فقال لي حميد: ما ترى؟ فقلت: الإقالة أحبّ إلي، فأخبر المأمون بذلك. فقال: هو أعلم، ثم قال لي حميد: يا أبا الحسن أيّ شيء يعني من مدائحك لي ولأبي دلف؟ فقلت: قولي فيك:
  لولا حميد لم يكن ... حسب يعد ولا نسب
  يا واحد العرب الَّذي ... عزّت بعزّته العرب
  وقولي في أبي دلف:
  /
  إنما الدنيا أبو دلف ... بين باديه ومحتضره
  فإذا ولَّى أبو دلف ... ولت الدنيا على أثره
  قال: فأطرق حميد ثم قال: لقد انتقد عليك أمير المؤمنين فأجاد، وأمر لي بعشرة آلاف درهم وخلعة وفرس وخادم. وبلغ ذلك أبا دلف فأضعف لي العطية، وكان ذلك في ستر منهما، ما علم به أحد خوفا من المأمون حتى حدثتك به يا أبا نزار.
  يمسك عن زيارة أبي دلف حياء لكثرة بره به:
  أخبرني عليّ بن سليمان قال: حدّثني محمد بن يزيد، قال: حدّثني عليّ بن القاسم قال: قال لي عليّ بن جبلة:
(١) يكنى عن انتصاره الحاسم برد السيوف إلى أغمادها، والسبايا إلى حجبها.
(٢) في أ، ج، م: «قرنه».
(٣) في س: «يتخيلها»، تحريف.
(٤) في أ، ج: «ينتحلها».