أخبار علي بن جبلة
  /
  وفارقت البيض الخدور وأبرزت ... عواطل حسرى بعده لا تقنّع
  وأيقظ أجفانا وكان لها الكرى ... ونامت عيون لم تكن قبل تهجع
  ولكنه مقدار يوم ثوى به ... لكل امرئ منه نهال ومشرع
  وقد رأب اللَّه الملا(١) بمحمد ... وبالأصل ينمي فرعه المتفرع
  أغرّ على أسيافه ورماحه ... تقسّم أنفال الخميس وتجمع
  حوى عن أبيه بذل راحته الندى ... وطعن الكلى والزاعبية(٢) شرّع
  وإنما ذكرت هذه القصيدة على طولها لجودتها وكثرة نادرتها، وقد أخذ البحتريّ أكثر معانيها فسلخه، وجعله في قصيدته اللتين رثى بهما أبا سعيد الثغري:
  انظر إلى العلياء كيف تضام(٣)
  و:
  بأي أسى تثنى الدموع الهوامل(٤)
  وقد أخذ الطائي أيضا بعض معانيها، ولولا كراهة الإطالة لشرحت المواضع المأخوذة. وإذا تأمل ذلك منتقد بصير عرفه.
  بلغ في مدح حميد الطوسي ما لم يبلغه في مدح غيره:
  أخبرني عمي قال: حدثنا أحمد بن أبي طاهر قال: حدّثني أبو وائلة قال: قال رجل لعليّ بن جبلة:
  ما بلغت في مديح أحد ما بلغته في مديحك حميدا الطوسيّ. فقال: وكيف لا أفعل وأدنى ما وصل إليّ منه أني أهديت له قصيدة في يوم نيروز فسرّ بها، وأمر أن يحمل إليّ كلّ ما أهدى له، فحمل إليّ ما قيمته مائتا ألف درهم، وأهديت له / قصيدة في يوم عيد فبعث إليّ بمثل ذلك.
  يصف جيشا ركب فيه حميد الطوسي ويمدحه:
  قال أبو وائلة. وقد كان حميد ركب يوم عيد في جيش عظيم لم ير مثله، فقال عليّ بن جبلة يصف ذلك:
  غدا بأمير المؤمنين ويمنه ... أبو غانم غدو الندى(٥) والسحائب
  وضاقت فجاج الأرض عن كل موكب ... أحاط به مستعليا للمواكب
  كأن سموّ النّقع والبيض(٦) فوقهم ... سماوة ليل فرّنت(٧) بالكواكب
(١) مم، مو: «الثأي»، ورأب الثأي: أصلح الفساد، وأصله من ثئي الخرز: إذا انخرم.
(٢) الزاعبية: هي الرماح الَّتي إذا هزت كانت كأن كعوبها يجري بعضها في بعض، أو المنسوبة إلى زاعب: بلد، أو رجل.
(٣) ديوان البحتري ٢٥٧، وعجزه
ومآتم الأحساب كيف تقام
(٤) ديوانه ١٩٤، وعجزه
وترجى زيال من جوى لا يزايل
(٥) كذا في ب، س وفي أ، ج: «الردى».
(٦) في ف: «والبيض» بالنصب، وكلاهما صحيح.
(٧) مو: «حليت بالكواكب».