أخبار علي بن جبلة
  ألم تر للأيام كيف تصرّمت(١) ... به وبه كانت تذاد وتدفع
  وكيف التقى مثوى من الأرض ضيق ... على جبل كانت به الأرض تمنع
  ولما انقضت أيامه انقضت العلا ... وأضحى به أنف الندى وهو أجدع
  وراح عدوّ الدّين جذلان ينتحي ... أمانيّ كانت في حشاه تقطع(٢)
  وكان حميد معقلا ركعت به ... قواعد ما كانت على الضيم تركع
  / وكنت أراه كالرزايا رزئثها ... ولم أدر أن الخلق يبكيه أجمع
  حمام رماه من مواضع أمنه ... حمام كذاك الخطب بالخطب يقدع(٣)
  وليس بغرو أن تصيب منية ... حمى أختها أو أن يذلّ الممنّع
  لقد أدركت فينا المنايا بثارها ... وحلَّت بخطب وهيه ليس يرقع
  نعاء(٤) حميد للسرايا إذا غدت ... تذاد بأطراف الرماح وتوزع
  وللمرهق المكروب ضاقت بأمره ... فلم يدر في حوماتها كيف يصنع؟
  وللبيض خلَّتها البعول ولم يدع ... لها غيره داعى الصباح المفزّع
  كأن حميدا لم يقد جيش عسكر ... إلى عسكر أشياعه لا تروّع
  ولم يبعث الخيل المغيرة بالضحا ... مراحا ولم يرجع بها وهي ظلَّع
  رواجع يحملن النّهاب ولم تكن ... كتائبه إلَّا على النهب ترجع
  هوى جبل الدنيا المنيع وغيثها ... المريع وحاميها الكميّ المشيع(٥)
  وسيف أمير المؤمنين ورمحه ... ومفتاح باب الخطب والخطب أفظع
  فأقنعه من ملكه ورباعه ... ونائله قفر من الأرض بلقع
  على أيّ شجو تشتكي النفس بعده ... إلى شجوه أو يذخر الدمع مدمع
  ألم تر أن الشمس(٦) حال ضياؤها ... عليه وأضحى لونها وهو أسفع
  وأوحشت الدنيا وأودى بهاؤها ... وأجدب مرعاها الَّذي كان يمرع
  وقد كانت الدنيا به مطمئنة ... فقد جعلت أوتادها تتقلع
  / بكى فقده روح الحياة كما بكى ... نداه الندى وابن السبيل المدفّع
(١) ف، مو: «تصرفت».
(٢) ينتهي هنا ما روت نسخة! من هذه القصيدة. وفيها بعد هذا البيت: وهي قصيدة طويلة. قد اعتمد عليها الطائيان في مراثيهما، فسلخاها. ولولا كراهة الإطالة لذكرت ذلك.
(٣) يقدع: يدفع.
(٤) نعاء حميدا: انعه، وأظهر خبر وفاته.
(٥) المشيع: الشجاع، كأنه يشيعه، أي يشجعه غيره، أو يشيعه قلبه
(٦) كذا في ب، ج، مد. وفي س: «النفس»، تحريف.