كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب ابن أبي عيينة وأخباره

صفحة 277 - الجزء 20

  يستثقله، فسأله حاجة فقضاها، ثم سأله أخرى فوعده بها، ثم سأله ثالثة فقال:

  خفّف على إخوانك المؤنا ... إن شئت أن تبقى لهم سكنا

  لا تلحفنّ إذا سألت ففي ال ... إلحاف إجحاف بهم وعنا

  فقام الرجل وانصرف.

  يطلب عزل أمير البصرة فلا يجاب ويمنح صلة عوضا:

  أخبرني أبو دلف هاشم بن محمد، قال: حدّثني المبرّد قال:

  وفد ابن أبي عيينة إلى طاهر بن الحسين يسأله أن يعزل أمير البصرة، وكان من قبله فدافعه، وعرض عليه عوضا خطيرا من حاجته، ووعده أن يستصلح له ذلك الأمير ويزيله عما كرهه، فأبى عزله وأجزل صلته، فقال ابن أبي عيينة فيه:

  يا ذا اليمينين⁣(⁣١) قد أوقرتني مننا ... تترى هي الغاية القصوى من المنن

  ولست أستطيع من شكر أجيء به ... إلَّا استطاعة ذي روح وذي بدن

  / لو كنت أعرف فوق الكشر منزلة ... أوفى من الشكر عند اللَّه في الثمن

  أخلصتها لك من قلبي مهذّبة ... حذوا على مثل ما أوليت من حسن

  أساء والي البصرة جواره فطلب عزله فأجيب إلى طلبه:

  أخبرني محمد بن القاسم الأنباريّ قال: حدّثني أبي عن أبي عكرمة عامر بن عمران، وأخبرني به عمي عن أحمد بن يزيد المهلَّبيّ عن أبيه قال:

  كان إسماعيل بن سليمان واليا على البصرة خليفة لطاهر بن الحسين، فأساء مجاورة ابن أبي عيينة حتى تباعد بينهما وقبح، وأظهر إسماعيل تنقصّه وعيبه، فخرج إلى طاهر ليشكو إسماعيل، ويسعى في عزله عن البصرة، فبعد ذلك عليه بعض البعد، وسافر طاهر بن الحسين إلى وجه أمر بالخروج إليه، فصحبه ابن أبي عيينة في سفره، فتذمّم من ذلك، وأمر بإيصاله إليه، فلما دخل ابن أبي عيينة إليه سأله عن حوائجه وأدناه، وأمره برفعها فأنشده:

  من أوحشته البلاد لم يقم ... فيها ومن آنسته لم يرم

  ومن يبت والهموم قادحة ... في صدره بالزّناد لم ينم

  ومن ير النقص من مواطئه ... يزل عن النقص موطئ القدم

  والقرب ممن ينأى بجانبه ... صدع على الشعب غير ملتئم⁣(⁣٢)

  وربّ أمر يعيا اللبيب به ... يظلّ منه في حيرة الظَّلم

  صبر عليه كظم على مضض ... وتركه من مواقع الندم


(١) لقب بذلك لأنه ضرب شخصا بيساره فقده نصفين، فلقبه به المأمون.

(٢) زيادة من م، مو، مد.