أخبار جعيفران ونسبه
  ثقل، فأذن له، فلما مثل بين يديه قال:
  يا أكرم العالم موجودا ... ويا أعزّ الناس(١) مفقودا
  لما سألت الناس عن واحد ... أصبح في الأمة محمودا
  قالوا جميعا إنه قاسم ... أشبه آباء له صيدا
  لو عبدوا شيئا سوى ربهم ... أصبحت في الأمة معبودا(٢)
  لا زلت في نعمى وفي غبطة ... مكرّما في الناس معدودا
  قال، فأمر له بكسوة وبألف درهم، فلما جاء بالدراهم أخذ عنها عشرة، وقال: تأمر القهرمان أن يعطيني الباقي مفرّقا كلما جئت؛ لئلا يضيع مني، فقال للقهرمان: أعطه / المال، وكلما جاءك فأعطه ما شاء حتى يفرّق الموت بيننا، فبكى عند ذلك جعيفران، وتنفّس الصعداء، وقال:
  يموت هذا الَّذي أراه ... وكلّ شيء له نفاد
  لو غير ذي العرش دام شيء ... لدام ذا المفضل الجواد
  ثم خرج، فقال أبو دلف: أنت كنت أعلم به مني.
  يسأل عن أبي دلف ويرتجل في مدحه شعرا:
  قال: وغبر عني مدة، ثم لقيني وقال: يا أبا الحسن، ما فعل أميرنا وسيّدنا وكيف حاله؟ فقلت: بخير وعلى غاية الشّوق إليك. فقال: أنا واللَّه يا أخي أشوق، ولكني أعرف أهل العسكر وشرههم وإلحاحهم(٣) واللَّه ما أراهم يتركونه من المسألة ولا يتركهم، ولا يتركه كرمه أن يخليهم من العطيّة حتى يخرج فقيرا. فقلت: دع هذا عنك(٤) وزره، فإن كثرة السؤال لا تضرّ بماله، فقال: وكيف؟ أهو أيسر من الخليفة؟ قلت: لا. قال: واللَّه لو تبذّل لهم الخليفة كما يبذل أبو دلف وأطمعهم في ماله كما يطعمهم لأفقروه في يومين، ولكن اسمع ما قلته في وقتي هذا، فقلت: هاته يا أبا الفضل فأنشأ يقول:
  أبا حسن بلَّغن قاسما ... بأنّي لم أجفه عن قلى
  ولا عن ملال لإتيانه ... ولا عن صدود ولا عن غنى
  ولكن تعفّفت عن ماله ... وأصفيته مدحتي والثنا
  أبو دلف سيّد ماجد ... سنيّ العطية رحب الفنا
  كريم إذا انتابه المعتفو ... ن عمّهم بجزيل الحبا
  / يلقى أبا دلف فينشده ما حاله:
  قال: فأبلغتها أبا دلف، وحدّثته بالحديث الَّذي جرى، فقال لي: قد لقيته منذ أيام؛ فلما رأيته وقفت له،
(١) م، أ: «الخلق».
(٢) زيادة من مي، م.
(٣) ف: «والحافهم».
(٤) س، ب: «عنا».