أخبار جعيفران ونسبه
  /
  فإن الخلق مغرور(١) ... بأمثالي وأجناسي
  ولو كنت أخا مال ... أتوني بين جلَّاسي
  يحبوني ويحبوني ... على العينين والرأس
  ويدعوني عزيزا غي ... ر أنّ الذل إفلاسي
  يضيق به بعض مجالسيه ويفطن لذلك فيقول شعرا:
  ثم قام يبول، فقال بعض من حضر: أيّ شيء معنى عشرتنا هذا المجنون العريان؟ واللَّه ما نأمنه وهو صاح، فكيف إذا سكر؟ وفطن جعيفران للمعنى، فخرج إلينا وهو يقول:
  وندامي أكلوني ... إذ تغيّبت قليلا
  زعموا أني مجنو ... ن أرى العرى جميلا
  كيف لا أعرى وما أب ... صر في الناس مثيلا؟
  إن يكن قد ساءكم قر ... بي فخلَّوا لي سبيلا
  وأتمّوا يومكم س ... رّكم اللَّه طويلا
  قال: فرققنا له، واعتذرنا إليه، وقلنا له: واللَّه ما نلتذّ إلَّا بقربك، وأتيناه بثوب، فلبسه، وأتممنا يومنا ذلك معه.
  يحتكم إلى القاضي فيدفعه عن دعواه فيدعو عليه:
  أخبرني جحظة قال: حدّثني ميمون بن هارون قال:
  تقدّم جعيفران إلى أبي يوسف الأعور القاضي بسرّ من رأى في حكومة في شيء كان في يده من وقف له، فدفعه عنه، وقضى عليه. فقال له: أراني اللَّه أيها القاضي عينيك سواء، فأمسك عنه، وأمر بردّه إلى داره.
  / فلما رجع أطعمه ووهب له دراهم، ثم دعا به فقال له: ما ذا أردت بدعائك؟ أردت أن يرد اللَّه على بصري ما ذهب؟ فقال له: واللَّه لئن كنت وهبت لي هذه الدراهم لأسخر منك؛ لأنت المجنون لا أنا. أخبرني كم من أعور رأيته عمي؟ قال: كثيرا، قال: فهل رأيت أعور صحّ قطَّ؟ قال: لا. قال: فكيف توهمت عليّ الغلط! فضحك وصرفه.
  يمدح أبا دلف فيجزل له العطاء:
  أخبرني محمد بن جعفر النحويّ صهر المبرّد قال: حدّثني أحمد بن القاسم البرتيّ قال: حدّثني علي بن يوسف قال:
  / كنت عند أبي دلف القاسم بن عيسى العجليّ فاستأذن عليه حاجبه لجعيفران الموسوس، فقال له: أيّ شيء أصنع بموسوس! قد قضينا حقوق العقلاء، وبقي علينا حقوق المجانين! فقلت له: جعلت فداء الأمير موسوس أفضل من كثير من العقلاء، وإن له لسانا يتّقى وقولا مأثورا يبقى، فاللَّه اللَّه أن تحجبه، فليس عليك منه أذى ولا
(١) كذا في النسخ، ولا معنى لها هنا، ولعلها مغرى، بمعنى مولع، وفعله غرى، كرضى.