كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار خالد الكاتب

صفحة 404 - الجزء 20

  ظفر الشوق بقلب دنف⁣(⁣١) ... فيك والسّقم بجسم ناحل

  فهما بين اكتئاب وضنى ... تركاني كالقضيب الذابل

  قال: فاستملح ذلك ووصلني.

  رثي راكبا قصبة والصبيان يصيحون به:

  حدّثني حمزة بن أبي سلالة الشاعر الكوفيّ، قال دخلت بغداد في بعض السنين فبينا أنا⁣(⁣٢) مارّ بجنينة إذا أنا برجل عليه مبطنة نظيفة، وعلى رأسه قلنسيه⁣(⁣٣) سوداء، وهو راكب قصبة، والصبيان خلفه يصيحون به: يا خالد يا بارد، فإذا آذوه حمل عليهم بالقصبة، فلم أزل أطردهم عنه حتى تفرقوا، وأدخلته بستانا هناك، فجلس واستراح، واشتريت له رطبا فأكل، واستنشدته فأنشدني:

  قد حاز قلبي فصار يملكه ... فكيف أسلو وكيف أتركه!

  رطيب جسم كالماء تحسبه ... يخطر في القلب منه مسلكه

  يكاد يجري من القميص من الن ... عمة لولا القميص يمسكه

  فاستزدته، فقال: لا، ولا حرف⁣(⁣٤).

  يخلع ثيابا أعطيها على غلام يحبه، ويقول فيه شعرا:

  وذكر عليّ بن الحسين بن أبي طلحة عن أبي الفضل الكاتب - أنه دعا خالدا ذات يوم فأقام عنده. وخلع عليه، فما استقر به المجلس حتى خرج، قال: فأتبعته رسولا ليعرف خبره، فإذا هو قد جاء إلى غلام⁣(⁣٥) كان يحبه، فسأل⁣(⁣٦) عنه فوجده في دار القمار، فمضى إليه حتى خلع عليه تلك الثياب وقبّله وعانقه وعاد إلينا، فلما جاء خالد أعطيت⁣(⁣٧) الغلام الَّذي وجّهنا⁣(⁣٨) به دنانير ودعاه⁣(⁣٩) فجاء به إلينا، وأخفيناه وسألنا خالدا عن خبره فكتمه وجمجم⁣(⁣١٠)، فغمزنا الرسول فأخرجه علينا، فلما رآه خالد بكى ودهش، فقلنا له: لا ترع، فإن من القصة كيت وكيت، وإنما أردنا أن نعرف خبرك لا أن نسوءك، فطابت نفسه وأجلسه إلى جنبه، وقال: قد بليت بحبّه وبالخوف عليه مما قد بلي به من القمار، ثم أنشد لنفسه فيه:

  محبّ شفّه ألمه ... وخامر جسمه سقمه

  وباح بما يجمجمه ... من الأسرار مكتتمه


(١) الدنف: الَّذي يلازمه المرض.

(٢) في «المختار»: «أنا مار إذا».

(٣) في «المختار»: قلنسوة، وهي بضم السين إذا فتحت القاف، وبكسر السين إذا ضمت القاف.

(٤) في «المختار»: «ولا حرفا».

(٥) في «المختار»: «غلام أمرد».

(٦) كذا في «المختار». وفي ب، س: «فسئل عنه فوجده في دار القمار».

(٧) كذا في «المختار»، وفي س: «فلما جاز خالد أعطاه الغلام»، وهو تحريف.

(٨) في «المختار»: «عرفنا خبره».

(٩) في «المختار»: «ليجيء بالغلام».

(١٠) جمجم الكلام: لم يبينه.